jeudi 23 mai 2019



بسم الله الرحمان الرحيم
القرآن ذلك الكتاب
        الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا قيما لينذر بأسا شديدا من لدنه ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا حسنا ماكثين فيه أبدا وينذر الذين قالوا اتخذ الله ولدا ما لهم به من علم ولا لآبائهم...
        والصلاة وأزكى التسليم على النبي المصطفى الأمين محمد بن عبد الله المبعوث رحمة للعالمين  (تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا) سورة الفرقان
وعلى آله وأصحابه الطيِّبين الطاهرين وعلى مَن تبعهم بِإِحسان إلى يوم الدِّين، أما بعد
        فإن الحديثَ عن القرآن هو حديثٌ عن الرسالة التي خصَّ الله تعالى بها البشرية في عمومها، أبيضَها وأسْودَها، عربيها وأعْجميَّها، لا فرق بين هذا وذاك إلا بالتقوى والقرب من الله تعالى.
وهذا القرآن كان حِجَّة بالغة تؤكد رسالة النبي صلى الله عليه وسلم، وتقوِي عزيمته كلما طغت في شخصه بشريته، وغلب ضعفه الإنساني على وظيفته كنبي مرسل، كما حصل معه عليه السلام في عام الحزن عندما فقد زوجه خديجة بنت خويلد رضي عنها وعمه أبوطالب، وقد سجل ذلك في قوله تعالى في سورة الضحى : " بسم الله الرحمان الرحيم والضحى والليل إذا سجى ما ودعك ربك وما قلى ولا الآخرة خير لك من الأولى ولسوف يعطيك ربك فترضى..." سورة الضحى
وفي سورة الفرقان : قال سبحانه: " ... لنثبت به فؤادك وورتلناه ترتيلا ..."
وفي سورة يوسف : قال تعالى: ( نحن نقص عليك أحسن القصص بما أوحينا إليك هذا القرآن وإن كنت من قبله لمن الغافلين...)
وفي في نفس السورة  يقول سبحانه: " ذلك من أنياء الغيب  نوحيه إليك وما كنت لديهم إذ أجمعوا أمرهم وهم يمكرون..."
        وقد كان القرآن الكريم محكما لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، لا يجاريه في إحكامه أي صنف من أصناف كلام البشر شعرا ولا نثرا، وقد شهد بذلك الأعداء قبل الأصدقاء.
فهذا الوليد بن المغيرة ( أب خالد بن الوليد) يشهد للقرآن الكريم، وكان مشركا لو علم أن شهادته ستخدم القرآن – والقرآن غني عنها- لضن بها عليه.
قد كان ذلك في دار الندوة عند ساحة الكعبة عندما انتدبه المشركون بقيادة أبي جهل للذهاب إلى محمد – وقد كان يصلي عند الكعبة ليكلمه لعله ينتهي عن بث دعوة الإسلام فيهم...
كان الوليد بن المغيرة سيدا في قريش، مهيب الجانب، إلا أن أبا جهل عمرو بن هشام طلب منه الذهاب إلى محمد بحكم أنه كذلك، ثم لأن أبا جهل كان غير حصيف ولا خلوق، كان لا يتوانى أن يطالب من هو أكثر منه قدرا فعل وتنفيذ ما يخطر على باله ويريده بالفعل.
فقال : يا أبا الوليد، هَلاَّ ذَهَبْتَ إلى محمد، وكَلَّمْتَهِ لعلَّه يُخَلِّي بيننا وبين دينِنا فقد يستمع إليك. إن كان يريد مُلكا مَلَّكْناه علينا، وإن كان يريد مالا جمعنا له من أموالنا حتى يصير أغنانا، وإن كان يريد نساء زوجناه من خِيرَةِ بَناتِنا، وإن كان مريضا طلبنا له المَشَافِيَ حتى تُشْفى...
ترَدَّد الوليدُ بنُ المغيرة في القيام إلى محمد، لأنه كان يَشُكُّ في نتيجة ذلك، لكنه قام تحت إصرار أبي جهل، وحتى لا يُقال عنه جبان يَخشْى مواجهة محمد، أو أن يتهم بأن قلبه مائل ناحية محمد...
في الأخير لم يجد الوليد بن المغيرة بُدّا من القيام إلى محمد، فسعى باتجاهه، غير مُتحمِّس لذلك، وعند مُصلاه عليه السلام وقف بن المغيرة ينتظر حتى فرغ النبي صلى الله عليه وسلم من الصلاة، ولما انتهى قال له متوددا:
" يا ابن أخي.. هلا خَليتَ بيننا وبين دِيننا.. لقد سَفهتَ أحلامنا.. وعِبتَ آلهتنا، وفرقتَ بيننا وبين أبنائنا وبيننا وبين عبيدنا .. إن كنت تريد مُلكا ملكناك علينا، وإن كنت تريد مالا جمعنا لك من أموالنا حتى تصير أغنانا، وإن كنت تريد نساء زوجناك من خيرة بناتنا، وإن كنت مريضا طلبنا لك المشافيَ حتى تُشفى...
قال النبي صلى الله عليه وسلم وهو واثق من نفسه، واثق من ربه، واثق من دعوته.. فهي ليست قابلة للتبديل بشهوات الدنيا جميعا.. يا أبا الوليد استمع لقول الله تعالى، فتلى صلى الله عليه وسلم على مسامعه بداية سورة فصلت وكانت خير جواب على عرضه هذا:
( بسم الله الرحمن الرحيم حم (1) تنزيل من الرحمان الرحيم (2) كتاب فُصلت آياته قُرآنا عَربيا لقوم يعلمون (3) بشيرا ونذيرا فأَعرضَ أكثرُهم فهم لا يسمعون (4) وقالوا قُلوبُنا في أَكِنّة مما تدْعونا إليه وفي آذانِنا وَقْرا ومن بينِنا وبينَك حجابْ فاعمل إننا عاملون(5) قل إنما أنا بَشَرٌ مِثْلكم يُوحَى إليَّ أنما إِلهكم إله واحد فاستقيموا إليه واستغفروه وَوَيْل للمشركين(6) الذين لا يُؤتُون الزكاة وهم بالآخرة هم كافرون(7) إنَّ الذين آمنوا وعمِلوا الصالحاتِ لهم أجرٌ غيرُ مَمْنون(8) قُلْ أَئِنَّكم لتكفرون بالذي خَلَقَ الأرضَ في يَوْمَيْن وتجْعلون له أنْدادا ذلك رَبُّ العالمين(9) وجعل فيها رَوَاسِيَ مِن فَوْقِها وبارك فيها وقَدَّر أَقْواتَها في أرْبعة أيام سَوَاءٌ للسَّائِلين(10) ثم اسْتوى إلى السَّماءِ وهي دُخَان فقال لها وللأرض إئْتِيا طَوْعا أو كَرْها قَالَتَا أَتَيْنا طائعين(11) فقضاهُن سبْعَ سماوات في يوْميْن وأوْحى في كل سَمَاء أَمْرَها وزَيَّنا السماءَ الدُّنْيَا بِمَصابِيحَ وحِفْظا ذلك تَقْدِيرُ العزيز العليم(12) فإنْ أَعْرَضُوا فقل أَنْذَرْتُكُمْ صاعِقَة مِثْلَ صاعقةِ عَاد وثَمُود...).
فقال الوليد بن المغيرة حسبك يا ابن أخي حسبك... كانت الآيات الكريمات جوابا كافيا، وحُجَّة بالغة، جعلت الوليد بن المغيرة يَيْأس مما جاء من أجله إلى محمد، ويحمل نفسه إلى حيث يوجد أصحابه في دار الندوة ليزُفَّ إليهم  رأيه في محمد ودعوةِ محمد، ووثوقِ محمد في دعوتِه مهما تَكُنْ المُغْرَيات، لأن دعوته بكل بساطة ليست رغبةَ قيادة ولا نزوة زعامة، ولا هوى يتبع.. وإنما هي دعوة ربانية، تُبْذلُ فيها الرُّوح، وتُنْزَعُ في سبيلها دَعَةُ العيْش، وطُمأنينة الحياة...
        كان الوليد بن المغيرة أكثر من يتذوق العربية ويفهمها، فقد كان فصيحا لا يعجزه شعر، ولا نثر خصوصا إذا سمعَ نظمَ القرآن الكريم، ولذلك لم ينتظر ردّا أكثر بيانا من الآيات القرآنية التي استمع إليها مِنْ فِي رسول الله صلى الله عليه وسلم من سورة فصلت والتي فُصِّلت من لدن حكيم عليم، أفادت أن تلكم دعوة الله تعالى، لا يمكن التراجع عنها أمام المال أو المُلك أو النِّساَءِ.
ذَكَّر هذا الردُّ الوليدَ بنَ المغيرةِ بردِّه صلى الله عليه وسلم لعمه أبي طالب عندما جاءته قريش بنفس العرض طالبين منه أن يُكَلِّم ابن أخيه لعله يتوقف عن دعوته إلى الإسلام بينهم فقال عليه السلام: " والله يَا عَمُّ لو وَضَعُوا الشَّمْسَ في يَمِيني والقَمَرَ في يَسَارِي على أنْ أَتْرُكَ هذا الدِّين حتَّى يُظْهِرَهُ اللهُ أوْ أَهْلِكَ دُونَه."
        وكأن الوليد بن المغيرة اقتنع بدعوة محمد صلى الله عليه وسلم.. هكذا هُوجِم بعد ذلك مِن صَنَادِيدِ قريش، لكنَّه حقيقة كان يعيش حالة المتعقل الذي يربط بين الأسْبابِ والمُسَبِّبات، ولا يَرُدُّه عنْ قوْلِ الحقِّ إن كان  ذلك  القولُ لِعَدُوِّه شَاهِدٌ... كان ذلك الوليد بن المغيرة.
رجع هذا الأخير إلى حيث ترك زعماء قريش في دار الندوة ينتظرون منه ردّا، ومن بعيد كان أبو جهل يرى أنه أي الوليد بن المغيرة يعود بغير الحماس الذي ذهب به، ولم يَصْبِر إلى أن يَعْرِفَ ذلك منْه حتى  قال في الحاضرين: " لقد رجع أبو الوليد بغير الوجه الذي ذهب به".
وقبل أن يستوي الوليد في مقعده استعجل أبو جهل الخبر فسأله، " ماذا وراءك يا أبا الوليد.
فقال الوليد بن المغيرة: " يا قَوْمْ.. إنَّ مَا سَمِعْتُهُ مِنْ محمد ليسَ بِشِعْر، فأنا أعْرَفُكُمْ بالشِّعر- وقد سبق أن اتُّهِم النبي صلى الله عليه وسلم بأنه شاعر- وإنَّ الذِي يقولُه محمد ليْسَ بِسِحْر، فأنا أَعْرَفُكُمْ  بِسَجْعِ الكُهَّان- وكان يُتَّهم عليه السلام بأنه ساحر- وإنَّ الذي يقوله محمد ليس من كلام البشر.. إن الذي يقوله محمد أَسْفَلُهُ مُغْدِقْ، وأَعْلاهُ مُورِقْ، وإنَّ له لَحَلاوَةٌ، وإنَّ عليه لَطَلاوَةٌ، وإنَّهُ يَعْلُو و لا يُعْلَى عليه.."
فما كان من أبي جهل إلا أن اتهَمَهُ بأنه قد صَبَأَ عن دين أجداده إلى دين محمد.. فبادر الوليد بن المغيرة بنفي ذلك عن نفسه حتى لا يسقط في أعين المشركين الذين جعلوا له مكانة وهو على شركه...
        تلك شهادة الوليد بن المغيرة، يشهد فيها بعلو مكانة القرآن عن باقي كلام البشر وقد كان ضمن زمرة ألذ أعداء القرآن الكريم، والحق ما شهدت به الأعداء.
        وقد حث النبي صلى الله عليه وسلم على الالتزام بالقرآن الكريم لأنه المخرج من الفتن الظاهرة والباطنة، خصوصا عند آخر الزمان حيث تتوالى الفتن واحدة تلو الأخرى، لا يكاد الناس يستفيقون من هول فتنة حتى تداهمهم الأخرى، كقطع الليل المظلم..
فعن علي بن أبي طالب ر ضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " سَتَكُونُ فِتَنٌ قلتُ وما المَخْرجُ مِنْها، قال: كتابُ الله. فيه نَبَأُ مَا قبْلكم، وخبَرُ ما بَعْدكُم، وحُكْمُ ما بينَكُم، هو الفَصْلُ ليس بالهَزْل، هو الذي مَنْ تَرَكَهُ مِنْ جَبَّار قَصَمَهُ الله، ومَن ابْتغى الهُدَى في غيْره أَضَلَّهُ الله، فهو حَبْلُ الله المَتِين، وهو الذِّكْر الحكيم، وهو الصِّراط المستقيم، وهو الذي لا تَزيغُ به الأَهْوَاءُ، ولا تَلْتَبِسُ به الألْسِنَةُ، ولا يَشْبَعُ منه العُلَمَاءُ، ولا يَخْلَقُ عنْ كَثْرَةِ الرَّدِّ، ولا تَنْقَضِي عَجَائِبُهُ، وهو الذي لم يَنْتَهِ الجِنُّ إذْ سَمِعَتْهُ أنْ قالوا إنَّا سَمِعْنا قُرآنا عَجَبَا، هو الذي مَنْ قال به صَدَقْ، ومَنْ حَكَمَ به عَدَلْ، ومَنْ عَمِلَ به أُجِرْ، ومَنْ دَعَا إليْهِ هُدِيَ إلى صِراط مُسْتَقِيمْ..."
        وبموت النبي صلى الله عليه وسلم انقطع الوحي من السماء على الأرض، وتوقف توجيه الله تعالى لبني الإنسان.. فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم هو خاتم النبيئين الذين اختارهم الله تعالى لينزل عليهم وحيه.
فبعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، بكاه الصحابة رضوان الله عليهم كما لم يبكي أحدٌ أحدا، وحزنوا على فِراقِه كما لم يفعلْ أصحابٌ على صاحِبِهِم، ولكنهم بعد أن مرت ثلاثة أيام على دفنه صلى الله عليه وسلم عادت الحياة إلى طبيعتها، واسْتِمْرَارِيَتِها وجَرَياَنِها، وقام الصحابةُ إلى أشغالهم وحياتهم، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان قد أوصى بأن لا يتجاوز الحداد والحزن أكثر من ثلاث..
وبحثا عن أسباب الإنشغال عن الحزن وفراق رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أبو بكر رضي الله عنه وقد أصبح خليفة للمسلمين: " يا عمر – يقصد عمر بن الخطاب رضي الله عنه – تعال بِنا نَزُورُ أُمَّ أَيْمَنْ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يزورها، وعندما أقْبَلا على أمِّ أيْمَنْ وَجَدَاها تَبْكي.. ومحاولة مِنْهُم تَسْلِيَتَها وإسْكَاتَها، قالا : يا أمَّ أَيْمَنْ، كَفَاكِ بُكَاء على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلقد انتقلَ إلى رَبٍّ كريمٍ، وجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَمَاوَاتِ والأرْض، فلقد وَعَدَهُ ربُّه  أنْ يَبْعَثَهُ مَقَاما مَحْمُودا في الجنَّة..
تَوَقَّفَتْ أُمُّ أَيْمَنْ عنِ البُكاءِ وقالت: أنَا لا أَبْكِي على مُحمدٍ صلى الله عليه وسلم، فأنا على يَقِينٍ أنَّه الآن في الجنَّةِ يَرْفُلُ في نَعيِمِهَا، ولكنْ أبْكِي على انْقِطَاعِ الوَحْيِ مِنَ السَّمَاءِ بِمَوْتِ مُحَمَّدٍ...
فَبَكَى أَبُوبَكْرٍ، وَبَكَى عُمَرُ، وأصْبَحَتْ أُمُّ أَيْمَنْ تُحَاوِل أنْ تُسْكِتَهُمَا...
        كانت أم أيمن تقصد انقطاع نزول القرآن الكريم بموت النبي صلى الله عليه وسلم، وانقطاع الوحي عموما لأن النبي صلى الله عليه وسلم هو آخر نبي يبعثه الله تعالى لهداية البشر، فكانت أم أيمن، قد انتبهت إلى ما لم يستطع لا أبو بكر ولا عمر الانتباه إليه، ألا وهو الوحي أي القرآن الكريم الذي كان آخر ما وجه الله تعالى به الإنسان على الأرض...
        والقرآن الكريم لا يحتاج في نفسه إلى هذه الشهادات، وإنما هي تسلية، وبيان لكل من كان على قلبه غشاوة لم يدرك معها علو القرآن وعظمته، أما المؤمنون حقا فلا حاجة لهم بأية شهادة، فالقرآن بالنسبة لهم شاهدٌ وليس مشهودا عليه.
وقد سجل التاريخ شهاداتٍ لمستشرقين غَرْبِيِّين في حقِّ القرآن الكريم، عَدَّهُمْ الناس ضمن الخصوم للقرآن الكريم، وكثيرٌ ما صَرَّحَ بعضُهُم بذلك، ودلت الإشارات على أنهم ينتمون إلى جهات كَنَّتْ العَدَاءَ للقرآن الكريم، ولدعوة الإسلام بصفة عامة..
فهذا "فولتير" يقول في حق القرآن الكريم: " إنُّهُ على يَقِينٍ أنَّهُ لَوْ عُرِضَ القرآنُ والإنجيلُ على شَخْصٍ غيْرَ مُتَدَيِّنٍ، لَاخْتَارَ الأول. لأن الكتابَ الذِي أُنْزِل على صَدْرِ مُحمدٍ (صلى الله عليه وسلم) يَعْرِضُ في ظاهِرِهِ أَفْكَارا تَنْطَبِقُ بِالْمِقْدَارِ اللاَّزِمِ مَعَ الأُسُسِ العَقْلِيَةِ، وَلَعَلَّهُ لَمْ يُوضَعْ قَانُونٌ كَامِلٌ في الطَّلاَقِ مِثْلَ الذِي وَضَعَهُ القرآن".
ويقول الفيلسوف الفرنسي "رِنَانْ": " كُلَّمَا أُحِسُّ بالإجْهادِ، وَأَرَدْتُ أنْ تُفَتَّحَ لِي أَبْوَابُ المَعَانِي والْكَمَالاتِ، طَالَعْتُ القرآنَ، حيْثُ لا أُحِسُّ بالتَّعَبِ أَوِ المَلَلِ بِمُطَالَعَتِهِ بِكَثْرَة. لَوْ أَرَادَ أَحَدٌ أَنْ يَعْتَقِدَ بِكِتابٍ نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ فَإِنَّ ذلك الكِتابَ هو القرآنُ لاَ غَيْرْ.. إنَّ الكُتُبَ الأُخْرَى لَيْسَتْ لَهَا خَصَائِصٌ مِثْلَ خَصَائِصِ القرآنِ.."
وقال الطبيبُ الفرنسي "مُورِيسْ بُوكَايْ" : " قَرَأْتُ القرآنَ بِإِمْعَانٍ وَوَجَدْتُهُ هو الكتابَ الوحيدَ الذِي يَضْطَرُّ بالمُثَقَّفِ بِالعُلُومِ العَصْرِيَّةِ أَنْ يُؤْمِنَ بِأَنَّهُ مِنَ اللهِ لاَ يَزِيدُ حَرْفا وَلاَ يَنْقُصْ".
ومن ألمانيا تقول المستشرقة " أَنَّا مَرِيَّا شْمِيلْ : " القرآنُ هُوَ كَلِمَةُ اللهِ مُوحَاةٌ بِلِسَانٍ عربي مُبينٍ، وتَرْجَمَتُهُ تتجاوَزُ المُسْتَوى السَّطْحِي، فمَنْ ذَا الذِي يَسْتطِيعُ تَرْجَمَةَ كَلِمَة اللهِ بِأَيِّ لُغَة".
وقال السياسي الأنجليزي " إدْمُونْد بِيرْك": " كلما نُدَقِّقُ في القرآنِ نَرَى كَمَالَهُ وَعُلُوَّهُ.. يَجْدبُ المَرْءَ أوَّلا ثُمَّ يَبْهَرُهُ، ويُحَيِّرُهُ ويَجْعَلُهُ شَغُوفا بِهِ.. يُجْبِرُ المَرْءَ على احْتِرامِه، وبذلك ترى تأثيره في الأعماق".
ويقول الباحث الأمريكي " مايكل هَارْث" : " لا يوجد في تاريخ الرسالات كتاب بَقِيَ بِحُرُوفِهِ كامِلا دون تَحْوِيرٍ سِوَى القرآنِ الكريمِ".
وقال الأديب الألماني " جُوهَانْ غُوتَة" : " كلما قرأتُ القرآنَ شَعَرْتُ أَنَّ رُوحِي تَهْتَزُّ تَحْتَ جَسَدِي".
وقال الروائي والمفكر" ليوتولستوي" : " سَوْفَ تَسُودُ شَريعةُ القرآنِ العالمَ، لِتَوَافُقِها وانْسِجَامِها مَعَ العَقْلِ والحِكْمَةِ".
وقال القائد العسكري " نابليون بونابارت" : " آمُلُ أنَّ الوقتَ ليسَ بَعِيدا عندما سأكون قادِرا على توحيد جميع الحُكماءِ والمُتعلمينَ مِنْ جميع البُلدانِ وإقامَةِ نظام موحد على أساس مبادئ القرآن الكريم التي هي حقيقة وحدَها التي تؤدي للسعادة".

mardi 9 avril 2019

عقوق الأولاد




يعتقد الكثير من الناس أن العقوق إذا ذكر فإنما يراد به سوء المعاملة الصادر من الأولاد تجاه آبائهم، وهو صحيح، فقد غلظ الله تعالى العقوبة يوم القيامة للذين يعقون آباءهم، بل توعدهم بالعقاب في الدنيا قبل الآخرة. لكن الحقيقة أن العقوق لايقتصر على سوء معاملة  للأبناء للآباء وإنما يتعلق كذلك بسوء المعاملة من الآباء تجاه الأولاد، حسب درجات هذا السوء.. من ضياع لبعض حقوقهم، أو ضياع كل هذه الحقوق بنبذهم، والتخلي عليهم بالمرة..

            لا يختلف اثنان حول كون الله سبحانه وتعالى أوصى الأولاد بوالديهم، وشدد على ذلك في القرآن الكريم، ومن ذلك قول الله تعالى: ( وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما...) سورة الإسراء الآية: 23

وقوله: ( واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا...) سورة النساء الآية: 36
وقوله: ( ووصينا الإنسان بولديه حسنا حملته امه وهنا على وهن وفصاله في عامين أن اشكر لي ولوالديك إلي المصير...) سورة لقمان الآية: 14
وقوله: ( ووصينا الإنسان بوالديه حسنا وإن جاهداك لتشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما إلي مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون...) سورة العنكبوت الآية: 8
وقوله: ( ووصينا الإنسان بوالديه حسنا حملته أمه كرها ووضعته كرها وحمله وفصاله ثلاثون شهرا حتى إذا بلغ  أشده وبلغ أربعين سنة قال رب أوزعني أن اشكر نعمتك التي أنعمت وعلى والدي وأن أعمل صالحا ترضاه وأصلح لي في ذريتي إني تبت إليك وإني من المسلمين...) سورة الأحقاف الآية: 15
            هكذا يقرن الله تعالى في أغلب الآيات القرآنية بين عبادته وحده والإحسان إلى الوالدين، فيعظم سبحانه عقوق الوالدين كإساءة لا توازيها إساءة أخرى.. لأن هذا الذي تنكر للمعروف الكبير الذي أسداه الوالدين له، فلا يرجى منه إي اعتراف لغيرهم، وهو شر مستطير للمجتمع...
        وقد عظم النبي صلى الله عليه وسلم جرم العقوق في حق الوالدين ، وجعله كبيرة من الكبائر التي تخلد صاحبها في جهنم فقال صلى الله علبه وسلم لما سئل عن أكبر الكبائر قال: " ألا أدلكم على أكبر الكبائر. الشرك بالله، وعقوق الوالدين، ألا وشهادة الزور، الا وشهادة الزور، ألا وشهادة الزور ".
       
وقال عليه السلام عندما سأله أحد الصحابة عن أن أحق الناس بحسن صحابته. قال: "أمك" قال: ثم من. قال: "أمك" قال: ثم من. قال: أمك. قال ثم من. قال: أبوك ".
وتعظيما لحق الأم يقول صلى الله عليه وسلم: "الجنة تحت أقدام الأمهات".
وكما أن الله تعالى نهى عن عقوق الأولاد لوالديهم، والتنكر لكل ما قدموه في سبيل تربيتهم والاعتناء بهم، فقذ حذر من تضييع حقوق الأولاد، وإهمال تربيتهم وتعليمهم ما به يتجنبون عذاب الله وغضبه. قال تعالى: ( يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون...) سورة التحريم الآية: 6
فإلى جانب رعاية الأولاد وحفظ حقوقهم في الدنيا من أكل وشرب، وكساء ودواء، وتعليم، وحرص على سلامتهم من الأخطار، والعمل على تنمية شخصياتهم بما يضمن لهم التأهيل الاجتماعي والنفسي، لا بد من مراعاة تجنيبهم غضب الله، وعقابه. وذلك بتنشئتهم على طاعة الله وحبه، وأمرهم بالصلاة لسبع، وضربهم عليها لعشر، والتفريق بينهم في المضاجع، ومصاحبتهم إلى المساجد في الجمعات والجماعات، وتعليمهم الصدق والوفاء، وتشويقهم إلى الجنة، وتخويفهم من النار..
            وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من عدم الإهتمام بالولد - ذكرا كان أو أنثى- ورعايته لأنه أمانة الله تعالى أودعها عند الآباء، وهو سائلهم عليها، أحفظوها أم ضيعوها..
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " بحسب امرئ من الإثم أن يضيع من يعول " أي يكفيه من الإثم كي يدخل جهنم أن يضيع ولده، لأن المقصود بمن يعول هم العيال أو الأولاد.
وإن ضياعهم في ما يحفظ عليهم آخرتهم لهو أكبر بكثير من ضياعهم في ما يحفظ عليهم دنياهم.. وكل ذلك عاقبته النار..
        وقال عليه السلام تحبيبا في تربية الأولاد: " لأن يؤدب الرجل ولده خير من أن يتصدق كل يوم بصاع"
وسئل صلى عليه وسلم عن درهم يتصدق به ودرهم ينفق على العيال، أيهما أفضل. قال عليه السلام: "درهم ينفق على العيال" تأكيدا على أهمية الاعتناء بالأولاد.
        وقد روي أن رجلا شيخا جاء إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه يشكوه عقوق ولده، فقال يا أمير المؤمنين إن ابني يعقني، يضربني ويشتمني. ولا يحفظ لي حرمة.
قال أمير المؤمنين عمر غاضبا: " أو لا يعلم هذا العاق أن العقوق يخلد صاحبه في النار. اذهب واتني به.
قال يا أمير المؤمنين إنه يضربني، ويشتمني، فكيف آتيك به.
قال: اذهب فأخبره أن أمير المؤمنين يطلبه.
ذهب الرجل إلى حيث الولد، وأخبره أن عمر يطلبه. فقفز الولد مسرعا ليجيب أمير المؤمنين، ولحق به أبوه، وعند الخليفة عمر.
توجه عمر إلى الولد غاضبا وقال: "أيها العاق.. ألا تخشى من الخلود في جهنم.. لم تعق أباك.
قال الولد: يا أمير المؤمنين ألم يقل النبي صلى الله عليه وسلم أن للولد على أبيه حقوق..
قال: "نعم"
قال: ما هي يا أمير المؤمنين.
أعاد عمر كلام النبي صلى الله عليه وسلم:" أن يختار أمه، وأن يختار إسمه، وأن يعلمه القرآن.
قال الولد: يا أمير المؤمنين، هذا الرجل- ولم يقل أبي- لم يختر أمي، تزوجها من البغايا، ولم يختر إسمي، سماني جعل، يعيرني به أقراني، ولم يعلمني آية من القرآن..
التفت عمر رضي الله عنه إلى الرجل الشيخ وقال متمعضا: قم عني.. فلقد عققته قبل أن يعقك..
        لا شك أن هذا الولد هو عاق لأبيه، ولا يبرر تقصير الأب في حقه أن يكون هو على هذه الشاكلة، فهو مخطئ خطأ كبيرا يخلد صاحبه في جهنم، وكذلك الحال بالنسبة لأبيه الذي لم يقم بدوره الذي أناطه الله تعالى به..