mardi 9 avril 2019

عقوق الأولاد




يعتقد الكثير من الناس أن العقوق إذا ذكر فإنما يراد به سوء المعاملة الصادر من الأولاد تجاه آبائهم، وهو صحيح، فقد غلظ الله تعالى العقوبة يوم القيامة للذين يعقون آباءهم، بل توعدهم بالعقاب في الدنيا قبل الآخرة. لكن الحقيقة أن العقوق لايقتصر على سوء معاملة  للأبناء للآباء وإنما يتعلق كذلك بسوء المعاملة من الآباء تجاه الأولاد، حسب درجات هذا السوء.. من ضياع لبعض حقوقهم، أو ضياع كل هذه الحقوق بنبذهم، والتخلي عليهم بالمرة..

            لا يختلف اثنان حول كون الله سبحانه وتعالى أوصى الأولاد بوالديهم، وشدد على ذلك في القرآن الكريم، ومن ذلك قول الله تعالى: ( وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما...) سورة الإسراء الآية: 23

وقوله: ( واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا...) سورة النساء الآية: 36
وقوله: ( ووصينا الإنسان بولديه حسنا حملته امه وهنا على وهن وفصاله في عامين أن اشكر لي ولوالديك إلي المصير...) سورة لقمان الآية: 14
وقوله: ( ووصينا الإنسان بوالديه حسنا وإن جاهداك لتشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما إلي مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون...) سورة العنكبوت الآية: 8
وقوله: ( ووصينا الإنسان بوالديه حسنا حملته أمه كرها ووضعته كرها وحمله وفصاله ثلاثون شهرا حتى إذا بلغ  أشده وبلغ أربعين سنة قال رب أوزعني أن اشكر نعمتك التي أنعمت وعلى والدي وأن أعمل صالحا ترضاه وأصلح لي في ذريتي إني تبت إليك وإني من المسلمين...) سورة الأحقاف الآية: 15
            هكذا يقرن الله تعالى في أغلب الآيات القرآنية بين عبادته وحده والإحسان إلى الوالدين، فيعظم سبحانه عقوق الوالدين كإساءة لا توازيها إساءة أخرى.. لأن هذا الذي تنكر للمعروف الكبير الذي أسداه الوالدين له، فلا يرجى منه إي اعتراف لغيرهم، وهو شر مستطير للمجتمع...
        وقد عظم النبي صلى الله عليه وسلم جرم العقوق في حق الوالدين ، وجعله كبيرة من الكبائر التي تخلد صاحبها في جهنم فقال صلى الله علبه وسلم لما سئل عن أكبر الكبائر قال: " ألا أدلكم على أكبر الكبائر. الشرك بالله، وعقوق الوالدين، ألا وشهادة الزور، الا وشهادة الزور، ألا وشهادة الزور ".
       
وقال عليه السلام عندما سأله أحد الصحابة عن أن أحق الناس بحسن صحابته. قال: "أمك" قال: ثم من. قال: "أمك" قال: ثم من. قال: أمك. قال ثم من. قال: أبوك ".
وتعظيما لحق الأم يقول صلى الله عليه وسلم: "الجنة تحت أقدام الأمهات".
وكما أن الله تعالى نهى عن عقوق الأولاد لوالديهم، والتنكر لكل ما قدموه في سبيل تربيتهم والاعتناء بهم، فقذ حذر من تضييع حقوق الأولاد، وإهمال تربيتهم وتعليمهم ما به يتجنبون عذاب الله وغضبه. قال تعالى: ( يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون...) سورة التحريم الآية: 6
فإلى جانب رعاية الأولاد وحفظ حقوقهم في الدنيا من أكل وشرب، وكساء ودواء، وتعليم، وحرص على سلامتهم من الأخطار، والعمل على تنمية شخصياتهم بما يضمن لهم التأهيل الاجتماعي والنفسي، لا بد من مراعاة تجنيبهم غضب الله، وعقابه. وذلك بتنشئتهم على طاعة الله وحبه، وأمرهم بالصلاة لسبع، وضربهم عليها لعشر، والتفريق بينهم في المضاجع، ومصاحبتهم إلى المساجد في الجمعات والجماعات، وتعليمهم الصدق والوفاء، وتشويقهم إلى الجنة، وتخويفهم من النار..
            وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من عدم الإهتمام بالولد - ذكرا كان أو أنثى- ورعايته لأنه أمانة الله تعالى أودعها عند الآباء، وهو سائلهم عليها، أحفظوها أم ضيعوها..
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " بحسب امرئ من الإثم أن يضيع من يعول " أي يكفيه من الإثم كي يدخل جهنم أن يضيع ولده، لأن المقصود بمن يعول هم العيال أو الأولاد.
وإن ضياعهم في ما يحفظ عليهم آخرتهم لهو أكبر بكثير من ضياعهم في ما يحفظ عليهم دنياهم.. وكل ذلك عاقبته النار..
        وقال عليه السلام تحبيبا في تربية الأولاد: " لأن يؤدب الرجل ولده خير من أن يتصدق كل يوم بصاع"
وسئل صلى عليه وسلم عن درهم يتصدق به ودرهم ينفق على العيال، أيهما أفضل. قال عليه السلام: "درهم ينفق على العيال" تأكيدا على أهمية الاعتناء بالأولاد.
        وقد روي أن رجلا شيخا جاء إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه يشكوه عقوق ولده، فقال يا أمير المؤمنين إن ابني يعقني، يضربني ويشتمني. ولا يحفظ لي حرمة.
قال أمير المؤمنين عمر غاضبا: " أو لا يعلم هذا العاق أن العقوق يخلد صاحبه في النار. اذهب واتني به.
قال يا أمير المؤمنين إنه يضربني، ويشتمني، فكيف آتيك به.
قال: اذهب فأخبره أن أمير المؤمنين يطلبه.
ذهب الرجل إلى حيث الولد، وأخبره أن عمر يطلبه. فقفز الولد مسرعا ليجيب أمير المؤمنين، ولحق به أبوه، وعند الخليفة عمر.
توجه عمر إلى الولد غاضبا وقال: "أيها العاق.. ألا تخشى من الخلود في جهنم.. لم تعق أباك.
قال الولد: يا أمير المؤمنين ألم يقل النبي صلى الله عليه وسلم أن للولد على أبيه حقوق..
قال: "نعم"
قال: ما هي يا أمير المؤمنين.
أعاد عمر كلام النبي صلى الله عليه وسلم:" أن يختار أمه، وأن يختار إسمه، وأن يعلمه القرآن.
قال الولد: يا أمير المؤمنين، هذا الرجل- ولم يقل أبي- لم يختر أمي، تزوجها من البغايا، ولم يختر إسمي، سماني جعل، يعيرني به أقراني، ولم يعلمني آية من القرآن..
التفت عمر رضي الله عنه إلى الرجل الشيخ وقال متمعضا: قم عني.. فلقد عققته قبل أن يعقك..
        لا شك أن هذا الولد هو عاق لأبيه، ولا يبرر تقصير الأب في حقه أن يكون هو على هذه الشاكلة، فهو مخطئ خطأ كبيرا يخلد صاحبه في جهنم، وكذلك الحال بالنسبة لأبيه الذي لم يقم بدوره الذي أناطه الله تعالى به..

إلا ترك الصلاة





الصلاة صلة واتصال بين العبد وربه، يستشيره، ويستعينه، ويستهديه، ويطلب منه العون عند العجز،والرزق عند الافتقار، والأمن عند الخوف، ويشكره على النعم، ويستعيذ به عند النقم، ويستنزل به الرحمات، ويستمطر به البركات، ويعبر عن خشيته له، وإعجابه به،وولائه له، ويبث شكواه إليه، وينشر أسراره وخباياه عليه وحده، ويطلب منه الحاجات، فهو الصمد، ويستخيره في اختيارات الحياة، فهو العليم الخبير، والناصح المؤتمن، فإليه يرد الأمر كله، وإليه يرجع الخلق كله، وإليه المصير..
وحاجة الإنسان إلى كل ما سبق دائمة، وعوزه متنوع ومتردد عليه في كل وقت وحين، لذلك جعل سبحانه الصلاة على المؤمنين خمس مرات في اليوم والليل، متقارب وقتها غير متباعد لأنه سبحانه أعلم بعباده منهم. قال تعالى: ( إن الصلاة كانت على المومنين كتابا موقوتا...)
والصلاة تمنع المصلي من الفواحش والمنكرات، وتذكره بربه كل ذلك العدد من المرات في اليوم، فهي ناقوس يرن بقوة في قلب وضمير كل مسلم محافظ عليها. قال تعالى: ( إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر...)
ولا يتأتى ذلك إلا لمن حافظ عليها في وقتها، وداوم عليها، خشع فيها، فكلما جنحت سفينة المؤمن عن الجادة، وتحول من الطاعات إلى المعاصي، وانشغل قلبه بما لا يرضي الله تعالى كانت الصلاة – التي في وقتها والمداوم عليها والمؤداة بالخشوع -   مانعة لصاحبها من الاطمئنان والرضى، والهناء والسعادة، تنغص عليه عيشه، وتؤنبه  في ضميره، وتذكره بمصيره، ولا تنتهي من ذلك عليه حتى يراجع نفسه، وينتهي عما كان عليه من المعصية، ولذلك نوه سبحانه وتعالى بالذين هم على صلاتهم خاشعون، عليها مداومون، وربط ذلك بالفلاح والنجاح يوم القيامة. قال تعالى: ( قد افلح المؤمنون (1) الذين هم  في صلاتهم خاشعون (2) والذين هم عن اللغو معرضون (3) والذين هم للزكاة فاعلون (4) والذين هم لفروجهم حافظون (5) إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين (6) فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون (7) والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون (8) والذين هم على صلاتهم يحافظون (9) أولئك هم الوارثون الذين يرثون الفردوس (10) هم فيها خالدون (11) ) سورة المومنون الأيات: 1-11
مات النبي صلى الله عليه وسلم وهو يوصي بالصلاة " الصلاة الصلاة وما ملكت أيمانكم" ولا معنى لوصيته عليه السلام في آخر أنفاسه إلا ما معناه أن الصلاة هي حبل النجاة من النار، ولذلك يصر عليه السلام لأن تكون وصيته لأمته في آخر حياته هي: إياكم وترك الصلاة.. إياكم وترك الصلاة..
        وحتى لا يصعب على الشباب إقامة الصلاة، وجعلها ضمن برنامج حياتهم، أوصى النبي عليه السلام الأولياء أن يأمروا أولادهم بالصلاة لسبع، وأن يضربوهم على تركها لعشر، وأن يفرقوا بينهم في المضاجع..
        وعجبا لمن يستطعم حياته، ويسرح ويمرح طالبا شهواته، ملبيا نزواته، آمنا مكر الله تعالى الذي إنما أوجده في هذا الكون ليكون عابدا مطيعا، يتبع أوامر موجده، ويجتنب نواهيه ما أمكنه إلى ذلك سبيلا.
        إنه لا يجوز لشاب ولا شابة بلغا الحلم، يعيشان في المجتمع المسلم، يسمعان الأذان، ويعيشان أجواء رمضان أن يكونا تاركين للصلاة... لأن النبي صلى الله عليه وسلم حذر من ذلك فقال عليه السلام:"العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر"
وقال صلى الله عليه وسلم:" بين المرء وبين الكفر أو الشرك ترك الصلاة"
وقال أيضا: " أول ما يحاسب عليه المرء يوم القيامة الصلاة، فإن صلحت صلح سائر عمله، وإن فسدت فسد سائر عمله..."
وقال عليه السلام: " الصلاة عماد الدين، من أقامها أقام الدين، ومن تركها ترك الدين.."
        وإقام الصلاة من سمات المؤمنين وتركها من صفات المنافقين، فعن المؤمنين يقول سبحانه: (والمومنون والمومنات بعضهم أولياء بعض يامرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويوتون الزكاة...)
وعن المنافقين يقول تعالى: ( وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراؤون الناس...)
        وقد يتعلل البعض بأن ضيق الوقت يجعله تاركا للصلاة، بحكم التوقيت المدرسي، أو التوقيت في الشغل، أو المرأة في أشغال البيت، فإن الأمر لا يحتمل أن يتعلل الشخص هروبا من المسؤولية والمتابعة أمام الله حيث لا يغني عذر ولا علة إلا من أتى الله بقلب سليم.
ثم إن شبابنا قد تأثر بما تعيشه المجتمعات الغربية، من ترك للعبادة، وجري وراء الشهوات والملذات، واعتبار التدين شيئا غريبا عن الحياة العادية، وأن العادي والطبيعي في الحياة أن يعيش الإنسان كالبهيمة، يلهث وراء أكله وشربه وشهواته، فأصبح يستغرب كل مظاهر التدين فطوبى للغرباء...
        ويجيب الكثير من الشباب عند سؤالهم عن الصلاة، بأنه يصلي ثم ينقطع عن أدائها، والأمر في نظري راجع إلى أمور متعددة منها:
- أنه لم يتربى على إقامة الصلاة من صغره كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم، فالتدين عموما والصلاة على وجه الخصوص غريبة بالنسبة إليه، فتجده يغالب نفسه للإبقاء على ممارستها وتطبيقها ثأثرا بغيره من أقرانه، أو انفعالا من جراء استماعه لموعضة، أو مشاهدته لفلم مثلا. فالتربية أمر مهم جدا بالنسبة لأولادنا.
- أداء الصلاة تقليدا، للآباء والأقربين دون استحضار لروحها، ومعرفة بأصلها وحقيقتها، فإن المرء إذا ما أتعب نفسه على شيء لا يعرف حقيقته، ملْ منه، وتعب من ممارسته، وكذلك يحصل لمن يصلي بعض الأوقات ثم ينقطع عن أدائا... وأما حال الذين يسعدون بالصلاة، ويتشوقون لإقامتها، فإنهم يعرفون حقيقتها، فهي بالنسبة لهم وقوف بين يدي الله تعالى ملك الملوك، وقيوم السماوات والأرض.. الذي يقول للشيء كن فيكون، الكبير المتعالي.. الذي ليس هناك أكبر منه، والعليم الخبير الذي ليس هناك أعلم منه.. والرحمان الرحيم الذي ليس هناك من هو أرحم منه...
بكل هذه المشاعر والأحاسيس، يقف المؤمن خاشعا بين يديه سبحانه معتزا ومفتخرا، وراهبا وراغبا إليه، خائفا وطامعا يتمنى لو يطيل الإمام السجود كي يتمكن من استكمال مناجاة ربه، وبث همه وغمه، وسؤاله وطلبه لحاجاته... ولذلك يخشع في صلاته، ولا ينشغل خلالها بشيء، فالموقف أكبر من أن يلتفت إلى شيء آخر غير الانضباط في الحركات، وتحديد النظرات، وإطالة السجود، واستحضار الموقف الرهيب بين يدي ملك الملوك..
هذا لعمري سبب أكثر من وجيه يجعل المؤمن مداوما على صلاته، محافظا عليها في أوقاتها، خاشعا متصدعا من خشية الله.

                                                              د.أحمد بوشلطة