samedi 16 février 2019

الميراث في القانون المغربي




الميراث في القانون المغربي

تقديم:

إذا كان القانون المغربي قد اختلفت مصادره فإنه يستمد مادته في ما يتعلق بقانون الأسرة، وأحكام الزواج والطلاق والإرث من الشريعة الاسلامية انطلاقا من طبيعة الشعب المغربي وهويته العربية وعقيدته الدينية.
إلا أن مختلف الفرقاء السياسيين اختلفوا حول تغيير مدونة الأسرة في ما يتعلق بنظام المواريث عندما تقدمت بعض الجمعيات من المجتمع المدني باقتراح يهم تسوية نصيب كل من الذكر والأنثى في الإرث، وخصوصا في التعصيب.
       في هذا لبحث المتواضع سنسلط الضوء على نظام الإرث في القانون المغربي في الباب الأول، والتفاعل الاجتماعي بين المويدين لتغيير الإرث وتسوية الذكور والإناث في ذلك، والمعرضين الذين يعتبرون الإرث قطعيا لا يقبل التغيير ولا التعديل في باب ثاني، ثم خاتمة تسجل ثمرة البحث
قضت حكمة الله تعالى أن يذوق الموت كل حي، قال تعالى ( كل نفس ذائقة الموت )  وقد  اشتملت  حياة  الإنسان - الذي تحمل الأمانة دون غيره من المخلوقات على- كثير من الضروريات التي لا تكتمل حياته إلا بها كالأعمال والأقوال والأزواج والأموال وغيرها...
ولما كان المال عصب الحياة ، لاتستقيم إلا به، ولا تنتظم إلا معه، جعل سبحانه نظاما رفيعا لنقله من الذين اختتمت صفائح أعمالهم، و كتب عليهم الموت، إلى اللاحقين اللذين لايزالون ينتظرون، فالمال لا ينتقل مع صاحبه إلى قبره، بل يظل في مكانه، يختار الله تعالى له مستخلفا آخر يورثه إياه ، و ذلك دليل قاطع على أن ملكية الناس للمال ليست في الحقيقة ملكية مطلقة، و إنما هي نيابة و استخلاف، لأن صاحب المال الحقيقي هو الله تعالى، فالمال مال الله تعالى و الإنسان إنما هو مستخلف فيه فقط.
وبهذا الانتقال يتحقق مبدأ الاستخلاف والتوكيل على المال التي غالبا ما يتناساه الناس في أغلب أحوالهم، ولأن المال هو مال الله تعالى والإنسان إنما هو مستخلف فيه فقط، ومسؤول  يوم القيامة على التصرف فيه ، ويختبر فيه .قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « لا تزول قدما ابن آدم يوم القيامة حتى يسأل عن أربع : عن عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه، وعن علمه ماذا عمل به
وإذا مات الآدمي استخلف عليه غيره لينظر ماذا يصنع به، وهكذا دواليك إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.

         و قضت سنة الله تعالى في خلقه أن يضطر الناس إلى هذا النقل بما اتفقت أفكارهم و عقائدهم، أهل كتاب كانوا كاليهود والنصارى، أو وثنيين كالهنود والصينيين واللائكيين .
لكن الله تعالى هدى اللذين آمنوا إلى الصراط المستقيم في نقل المال إلى الأحياء بعد الأموات، بعدل ليس بعده عدل، و بعلم ليس بعده علم و حكمة بالغة في شريعته و دينه..
فكان نظام الإرث في الإسلام ربانيا لم يأته الباطل من بين يديه ولا من خلفه لأن قاعدته القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة التي لا ينطق فيها صلى الله عليه وسلم عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى.
وكل أحكام الميراث جاءت في القرآن الكريم  إلا حالات قليلة ومحدودة كان النبي صلى الله عليه و سلم قد اجتهد فيها فقاس بعضا منها على بعض، فقد قاس صلى الله عليه و سلم حالة ابن الإبن على الإبن، وحالة بنت الإبن على البنت، و الأخت لأب على الأخت الشقيقة، و الجد على الأب، و هكذا يكون الإرث ربانيا  منه سبحانه جملة و تفصيلا.
وقد كان الميراث في الجاهلية قبل البعثة للرجال دون النساء والأطفال، فأنزل الله تعالى قوله : ( للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والاقربون مما قل منه أو كثر نصيبا مفروضا ) سورة النساء الآية : 7
فسوى سبحانه بهذه الآية بين الرجل والمرأة- صغيرة كانت أو كبيرة- في أصل الإرث، سواء أكان الإرث قليلا أو كثيرا، وشدد سبحان في ذلك فجعله مفروضا.
وقد يوجد مع الورثة أحيانا يتامى مات أبوهم أو أمهم قبل جدهم، فكان ما خلفه أبوهم أو أمهم يسيرا لا يسعفهم في مواجهة نوائب الزمان، لأن هذان الأخيران ماتا صغيرين، ولم يتسنى لهما تكوين ثروة ذات بال، وعند موت جدهم أو جدتهم يحجبون من قبل أعمامهم أو أخوالهم فيحرمون من الميراث، فيرزؤون رزئين : واحد بموت الأب المعيل الذي لم يترك شيئا، والثاني بموت الجد الحنون الذي لم يوص لهم بشيء. فارتأى القانون أن يجعل لهؤلاء الأيتام ما يسمى بالوصية الواجبة :
وهي وصية مالية أوجبها القانون للأحفاد غير الوارثين الذين يموت أبوهم أو أمهم قبل جدهم أو جدتهم، بمقدار حقهم في تركة أبيهم أو أمهم كما لو كان حيا وارثا.
وهذا ما يفهم من قوله تعالى:( وإذا حضر القسمة (أي قسمة التركة) أولو القربى واليتامى فارزقوهم منه وقولوا لهم قولا معروفا (8) وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافا خافوا عليهم فليتقوا  الله وليقولوا قولا سديدا (9) سورة النساء
وشدد سبحانه على تحريم حرمانهم وأكل أموالهم ظلما فقال : (إن الذين ياكلون أموال اليتامى ظلما إنما ياكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا (10) سورة النساء

 الإرث كلمة قرآنية وردت في القرآن الكريم في كثير من الآيات بمعان مختلفة : وردت بمعنى الفائزين بالفردوس في قوله تعالى : ( الذين يرثون الفردوس...).
وبمعنى ميراث الأموال عن الأموات من الوالدين والاقربين في قوله تعالى من سورة النساء : (فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث...) من الآية 11
وقوله تعالى عن الكلالة الذي ترك إخوة ولم يكن له ولد : (وإن كان رجل يورث كلالة...) من الآية 12
وقوله تعالى عن الأخ في ميراث أخته : (وهو يرثها إن لم يكن لها ولد... ) سورة النساء من الآية : 176
والإرث والميراث كلمتان مترادفتان تدلان على معنى واحد هو إعادة توزيع الأموال التي مات عنها أصحابها على الأحياء الذين يستحقونها شرعا.
وكل هذا مأخذه من القرآن الكريم في سورة النساء حيث يقول تعالى  : ( يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الانثيين فإن كن نساء فوق اثنثين فلهن ثلثا ما ترك  وإن كانت واحدة فلها النصف  ولأبويه لكل واحد منهما السدس إن كان له  ولد فإن لم يكن له ولد  وورثه أبواه  فلأمه الثلث  فإن كان  له إخوة  فلأمه السدس من بعد وصية يوصي بها  أو دين آباؤكم وأبناؤكم لا تدرون أيهم و أقرب لكم نفعا فريضة من الله إن الله كان عليما حكيما (11)
ولكم نصف ما ترك أزواجكم  إن لم يكن لهن ولد فإن كان لهن ولد فلكم الربع مما تركن  من بعد وصية يوصين بها أودين ولهن الربع مما تركتم   إن لم  يكن لكم ولد فإن كان لكم ولد فلهن الثمن مما  تركتم من بعد  وصية  توصون بها  أو دين وإن كان رجل يورث كلالة أو امرأة وله أخ أو أخت فلكل واحد منهما السدس فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث من بعد وصية  يوصي  بها أو  دين غير مضار  وصية من الله  والله عليم حليم (12).

وفي الآية الأخيرة من سورة النساء(176) يقول تعالى : ( يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة إن امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك وهو يرثها إن لم يكن لها ولد فإن كانتا اثنثين فلهما الثلثان مما ترك وإن كانوا إخوة رجالا ونساء فللذكر مثل حظ الانثيين يبين الله لكم أن تضلوا والله بكل شيء عليم)..
وفي السنة النبوية الصحيحة..
روى أبو داود وابن ماجة عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « العلم ثلاثة وما سوى ذلك فهو فضل : آية محكمة، أو سنة قائمة ، أو فريضة عادلة”.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « يا أبا هريرة تعلموا الفرائض وعلموه فإنه نصف العلم، وإنه ينسى  ، وإنه أول شيء ينزع من أمتي”.                        رواه ابن ماجة
وأخرج البيهقي في سننه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « من قطع ميراث وارث قطع الله ميراثه من الجنة”.
وقوله صلى الله عليه وسلم لأن يترك الرجل ورثته أغنياء خير من أن يتركهم فقراء يتكففون الناس”.
وغير هذا من الأحاديث النبوية الكثيرة..

الفصل الأول:- الميراث في مدونة الأسرة
           
المبحث الأول: مفهوم الإرث وأركانه وشروطه
         المطلب الأول: مفهوم الإرث:
عرف الإرث بتعريفات مختلفة نذكر منها :
المادة 323 :
       ·        الإرث هو انتقال حق بموت مالكه بعد تصفية التركة لمن استحقه شرعا بال تبرع و لا معاوضة.
وعرفه آخرون بقولهم :
       ·        الميراث هو حق قابل للقسمة بعد موت صاحبه يثبت لمستحقه لصلة بينهما كقرابة أو زوجية.
ويمكن تعريفه تعريفا بسيطا- يسهل فهمه على  من اهتم بالأمر- بالتالي :
        ·        الإرث أو الميراث. «   هو إعادة توزيع الأموال التي مات عنها أصحابها على الأحياء الذين يستحقونها شرعا . »

ملاحظات حول التعريف:
    
1- لا يمكن الحديث عن الإرث إلا بعد موت الموروث، ففي كل التعاريف التي سبقت نجد توافقا على أن الإرث لا يكون إلا بعد موت الموروث،(االمادة324 ) وما كان من توزيع للأموال على الورثة في حياة صاحب المال فهو شيء آخر غير الإرث ولا يمت للإرث بصلة، ويمكن تسميته شرعا بالهبة أو غيرها..
2- و لا توزع التركة)  المادة321) على الورثة المستحقين إلا بعد تصفيتها مما يتعلق بها من حقوق(المادة 322)، ديونا كانت أو وصايا أو ما يتعلق بحق الهالك في تركته..
3-  و إن الاستحقاق الشرعي ليس بتبرع يتبرع به الهالك على الوارث و لا تعويض يعوض به هذا الأخير الوارث على إحسان سبق أن كان منه، و إنما هو حق شرعي اكتسبه بأحد سببين: النسب و القرابة أو الزوجية.

المطلب الثاني: أركان الإرث وشروطه:
2-أركان الإرث و شروطه:     
أركان الإرث ثلاثة:
          و شروطه (المادة: 330)
_الموروث ( ويقصد به الهالك الذي ترك مالا وترك ورثة)
يشترط في الموروث أن يموت حقيقة أو حكما (المادة 325) (كمن غاب في زلزال أو فيضان و عاد الناس و لم يعد  فحكم القاضي بموته، مع احتمال رجوعه.
- الوارث(المادة 331) ( وهو الحي الذي تربطه بالهالك صلة  قرابة أو زوجية ويخلو من أي وصف يمنعه من الإرث )
يشترط فيه أن يكون حيا لحظة وفاة الموروث و لو للحظات حقيقة أو حكما ( كالجنين في بطن أمه).
الحق الموروث ( المال المتروك أو الحق الموروث)
ولا يشترط فيه إلا أن تعرف جهة الإرث التي تخول لصاحبه إرثه وتملكه.

المبحث الثاني:- أسباب الإرثوموانعه (المادة 329)
         المطلب الأول: أسباب الإرث:
        أسباب الإرث سببان لا ثالث لهما : الزوجية والنسب :( وما كان من الولاء فقد أصبح من التاريخ).

1-           الزوجية  ويتوارث بها شخصان هما : الزوج والزوجة.
   
يتم التوارث بين الزوجين بمجرد كتابة العقد الصحيح بينهما ولو لم يتم الدخول بالزوجة و لا الاختلاء بها.
        كما ترث المطلقة طلاقا رجعيا إذا حدثت الوفاة خلال عدتها.
        أما إن كان طلاقا بائنا فلا ترث إلا إذا طلقها وهو على فراش المرض الذي مات فيه .


2-           النسب    :
                 ينتظم النسب في الخطوط العريضة التالية:
     أ -  الذكور: وعددهم ثلاثة عشر فردا، وينتظمون في أربع جهات هي كالتالي :
        جهة  الأبوة : وتشمل  الأب و الجد و إن علا.
        جهة البنوة  : وتشمل الإبن و ابن الإبن و إن سفل.
       جهة الأخوة : وتشمل الأخ الشقيق، و الأخ لأب، و الأخ لأم، و ابن الأخ الشقيق و إن سفل، و ابن الأخ لأب و إن سفل.

       جهة العمومة : وتشمل العم الشقيق، و العم لأب، وابن العم الشقيق، و ابن العم لأب و إن سفلا .

2-  الإناث : وعددهن ثمانية ، وتنتظمن في ثلاث جهات هي :
        جهة الأمومة : وتشمل الأم ، و الجدة لأم ، والجدة لأب وأمهاتهما.
       جهة البنوة    : وتشمل البنت، و بنت الإبن، و إن سفلت.
    جهة الأخوة   : وتشمل الأخت الشقيقة، و الأخت لأب ،  و الأخت لأم.

ملاحظة :  الفرع الوارث أو الولد يعني : الإبن أو البنت أو إبن الإبن أو بنت الإبن.


                              المطلب الثاني:- موانع الإرث    :

          كما أن للإرث أسباب تخول المرء من استحقاقه، هناك موانع تمنع الوارث منه رغم هذا الاستحقاق و تنتظم في العبارة التالية     :      " عش لك رزق "
و تكون حروف هذه العبارة كالأتي : (عش لك رزق)

ع
المادة 331
 ش

ل

ك
المادة 332
ر

ز

ق
المادة 333
عدم الاستهلال
ويعني :
عدم صراخ المولود أو حركته الدالة على حياته
الشك-
في موت
  الموروث وفي جهة الإرث وفي من مات سابقا
اللعان
هو يمين الزوج على زنى زوجته ويمينها على تكذيبه
الكفر
لايرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم
الرق
أصبح من التاريخ  والعبد وماله لسيده
الزنى
لا يرث ولد الزنى إلا في أمه وأهله منها
القتل العمد
 ليس لقاتل ميراث 

                   المبحث الثالث: الحقوق المتعلقة بالتركة (المادة 322)
         التركة هي كل ما يتركه الميت من مال أو حقوق مالية كالعقد والدين كأن يكون دائنا وليس مدينا، وهذه التركة لا توزع على مستحقيها إلا بعد تصفيتها مما تعلق بها من الحقوق.
وهي ما ينبغي إخراجه منها قبل قسمتها على مستحقيها، وتتحدد هي خمسة حقوق هي :

         1- الحقوق العينية : وهي الحقوق الثابثة في ذمة الهالك وتكون من عين التركة، كالوديعة والرهن ومؤخر الصداق.

         2- مؤونة تجهيز الميت : وهي المصاريف اللازمة للميت من كفن وغسل وحفر قبر ودفن، حسب عرف البلد دون تبدير ولا تقتير.
         3- ديون الهالك الثابثة : وتنقسم إلى قسمين : ديون الله تعالى كالزكاة والكفارات. وديون العباد كالقرض وأجرة الأجير، وثمن البضاعة، وتقدم ديون العباد على ديون الله تعالى إذا لم تف التركة بهما معا، لأن الله تعالى مأمول منه العفو والمغفرة عكس العباد.

         4- الوصايا : ويقصد بها تبرع الهالك بجزء من ماله ينفد بعد الوفاة، ويشترط فيها ألا تتجاوز الثلث، وألا تكون لوارث لقول النبي صلى الله عليه وسلم : «إن الله قد أعطى لكل ذي حق حقه فلا وصية لوارث أخرجه البخاري في كتاب الوصايا.

         5- حقوق الورثة : وهو صافي التركة الذي يتبقى بعد إخراج الحقوق السابقة، ويقسم على الورثة المستحقين حسب شرع الله الحنيف.

المبحث الرابع:-أنواع الورثة:   (المادة 334)
 من حيث إرثهم :
فرق القرآن الكريم في آيات المواريث : الإرث إلى حالتين اثنتين:
    1-             إرث بالفرض أي : بحصة محددة كالنصف أو الربع أو غيره.
    2-             وإرث بالتعصيب أي : أخذ ما بقي عن أصحاب الفروض.
المطلب الأول: ورثة بالفرض
- الفرض في اللغة : هو كل ما فرض و كان لازما و واجبا.
و في الاصطلاح هو الإرث بنصيب مقدر شرعا بالكتاب أو بالسنة. كالإرث بالنصف أو بالربع أو الثمن أو غيره.

          و الفرض في لغة الرياضيين هو الكسر مثل : 1/2  فالواحد يسمى البسط و 2 تسمى المقام.مثل ما جاء في قوله تعالى في تحديد نصيب الزوج :
قال تعالى:(ولكم نصف ما ترك أزواجكم إن لم يكن لهن ولد )

المطلب الثاني: ورثة بالتعصيب:        
-  و التعصيب في اللغة  :   من  العصب   بمعنى   القوة و الإحاطة، فالورثة بالتعصيب يرثون بقوة تصل في بعض الحالات إلى أخذ كل التركة. و هم يحيطون بالتركة كلها أو جلها أو ما بقي عن أصحاب الفروض.

         و في الاصطلاح: التعصيب هو الإرث بنصيب غير محدد أي أخذ ما بقي عن أصحاب الفروض إن وجدوا، أو أخذ كل التركة إن لم  يوجد معهم صاحب فرض. مثل ما جاء في قوله تعالى : (يوصيكم الله في أولادكم للدكر مثل حظ الانثيين..) من الآية : 11 في سورة النساء.
         و بحكم أن بعض الورثة لا يكتفون بالإرث بالفرض فقط أو بالتعصيب فقط أصبح عدد أنواع الورثة أربعة:

ورثة بالفرض
فقط (المادة 337)
ورثة بالتعصيب فقط
المادة 338)
ورثة بالفرض والتعصيب معا
(المادة 339)
بالفرض أو بالتعصيب دون الجمع بينهما
المادة 340


الزوج
الزوجة
الأم
الجدة
الأخ لأم
الأخت لأم

الإبن وإبن الإبن وإن
 سفل
الأخ الشقيق والأخ لأب
إبن الأخ ش وابن الأخ لأب
العم الشقيق والعم لأب
ابن العم ش وابن
العم لأب

الأب


الجد

البنت
ابنة الإبن
الأخت الشقيقة
الأخت لأب


المبحث الخامس:-الفروض و أصحابها:
المطلب الأول: الفروض:
         تعريفها:    الفروض هي الكسور التي تستعمل في علم المواريث و هي ستة كسور: (المادة 341) :
 2/1، 4/1، 8/1، 3/2، 3/1،  6/1.
         و سميت فروضا لأنها واجبة لازمة، لا يمكن الزيادة فيها أو النقصان منها، فهي مقدرة محددة بالكتاب أو بالسنة. وحتى في حالة العول تعول المسألة و تضيق التركة بالورثة بالفرض و لا نستطيع أن نحرم صاحب فرض من التركة،   فهي فروض واجبة لا تسقط بالمزاحمة.
و قد عبر عنها الفرضيون بقولهم:
نصف و نصفه و نصف نصفه ***و ثلثان و نصفهما و نصف نصفهما

المطلب الثاني: أصحاب الفروض:

النصف
المادة 342
الزوج و البنت و بنت الابن و الأخت و الأخت لأب

الربع
المادة 343
الزوج و الزوجة
الثمن
المادة 344

الزوجة
الثلثان
المادة 345
ابنتان فأكثر و بنتا الإبن فأكثر و الأختان الشقيقتان فأكثر و الأختان لأب فأكثر
الثلث
المادة 346
الأم و الجد و الإخوة لام
السدس
المادة 347
الجدة و الجد و الأب و الأم و الأخ لأم و الأخت لأم و ابنة الإبن و الأخت لأب

          فإذا ما عرفنا الفروض و أصحابها علينا أن نعرف الأصول التي تنقسم على التركة و كيفية تصحيحها إذا كان ذلك لازما و هل المسألة عادلة أو عائلة أو شيء آخر غير ذلك...

المبحث السادس:-التعصيب و الحجب
المطلب الأول:- التعصيب :
   أ- تعريفه
التعصيب في اللغةمن العصب بمعنى القوة و بمعنى الإحاطة.
بمعنى القوة أي أن اللذين يرثون بالتعصيب هم قوة الهالك في حياته، و هم يرثون بقوة. و الإحاطة أي أنهم يحيطون بالتركةأو جلها.
و في الاصطلاح: هو أخذ كل التركة أو ما بقي عن أصحاب الفروض إن وجدوا.

ب- أنواع العصبة: (المادة 348)

1)    عصبة بالنفس : (المادة 349)
و هم عصبة لا يحتاجون  الى غيرهم ليدفعهم الى الإرث بالتعصيب أي أنهم عصبة بالأصالة و هم:
الأب و الجد و الإبن و ابن الإبن و الأخ الشقيق و الأخ لأب و ابناهما و العم الشقيق و العم لأب و ابناهما.

2)    عصبة بالغير: (المادة 351)
و هن الإناث اللواتي يرثن عادة بالفرض فاذا وجد مع إحداهن أخ من جنسها حملها على الإرث معه بالتعصيب، و هن:
البنت و بنت الإبن و الأخت الشقيقة و الأخت لأب.

3)    عصبة مع الغير : (المادة 352)
و نعني بهن الأخت الشقيقة و الأخت لأب إذا وجدت إحداهن مع البنت أو البنات أو بنات الإبن، فإنهن يرثن بالتعصيب بسبب وجودهن معهن، وفي الوقت نفسه ترث البنت أو  البنات أو بنت الإبن أو بنات الإبن بالفرض، و هذا هو الفرق بين العصبة بالغير و العصبة مع الغير، فالعصبة بالغير يرثن مع هذا الغير بالتعصيب بينما العصبة مع الغير لا يشتركن مع هذا الغير في نوع الإرث.


ج- الترجيح بين العصبة: (المادة 350)

أ‌-       الترجيح بالجهة
إذا اجتمع العصبة يتم الترجيح بينهم بالجهة فجهة البنوة و جهة الأبوة تقدم على جهتي الأخوة و العمومة.

ب‌-  الترجيح بالدرجة:
المادة إذا اتحد العصبة في الجهة يتم الترجيح بينهم بالدرجة، فيقدم الإبن على ابن الإبن، و الأخ على ابن الأخ، و العم على ابن العم.

ج- الترجيح بقوة القرابة:
اذا اتحد العصبة في الدرجة يتم الترجيح بينهم بقوة القرابة فيقدم الأخ      الشقيق على الأخ لأب و العم الشقيق على العم لأب.

المطلب الثاني:– الحجب: (المادة 355)

أ- الحجب في اللغة : المنع و منه قوله تعالى : " كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون "  أي  لممنوعون  من  رؤيته سبحانه، و منه حجاب المرأة أي ما يمنع من ظهور مفاتنها. و من الناس من يطلق الحجاب على الستار على الثوب يجعل على الباب أو النافذة ، لأنه يمنع من رؤية ما بداخل البيت.

و في الاصطلاح هو منع الوارث من الميراث كليا أو جزئيا. الكلي و يسمى حجب الإسقاط أو الحرمان، و الجزئي و يسمى حجب النقص.

      ب- أنواع الحجب: (المادة 356) من خلال التعريف يظهر أن الحجب حجبان: حجب الوصف، وهو ما يسمى موانع الإرث و حجب الشخص، وينقسم إلى قسمين : حجب النقص وحجب الحرمان.

         1- حجب النقص او النقل:(المادة 359) و هو منع الوارث من أوفر حظيه كما يحصل للزوج و الزوجة بوجود الولد، وهذا النوع من الحجب يلحق كل الورثة بدون استثناء، و يكون كالتالي:

- بنقل الوارث من فرض أوفرالى فرض آخر أنقص منه كما يحصل للزوج و الزوجة بوجود الولد و الأم بالولد والمتعدد من الإخوة و الأخوات.
- بنقل الوارث من فرض أوفر الى تعصيب أنقص منه كما يحصل للبنت و بنت الإبن و الأخت الشقيقة و الأخت لأب بوجود إخوتهن.
-  بنقل الوارث من تعصيب أوفر الى فرض أنقص منه كما يحصل للأب و الجد بوجود الفرع الوارث المذكر.

                                           بمزاحمة الوارث بغيره من أمثاله في فرض أو تعصيب :

     -          في الفرض : مثل النقص الذي يحصل للزوجة المنفردة   بالزوجات المتعددات ، أو الجدة  بالجدتين.

                                            في التعصيب : كالذي يحصل للإبن بالأبناءالمتعددين، و الأخ المنفرد  بالاخوة المتعددين .

ب- حجب الإسقاط و الحرمان: (المادة 357)

 هو منع الوارث من الميراث نهائيا لوجود وارث آخر أقرب منه الى الهالك و هذا الحجب يلحق كل الورثة الا ستة لا يحجبون أبدا:
الأبوان: الأ و الأم
الولدان: الإبن و البنت
الزوجان: الزوج و الزوجة.

و المحجوبون حجب إسقاط هم:
1) إبن الإبن و بنت الإبن:
يحجبهما الإبن، و بنت الإبن تحجبها البنتان فأكثر باستكمال الثلثين.
2) الأخ الشقيق و الأخت الشقيقة:
يحجبهما: الأب و الإبن و ابن الإبن.

3)الأخ لأب و الأخت لأب:
يحجبها الأخ الشقيق و من حجبه، و الأخت الشقيقة إذا كانت عاصبة مع الغير، و الأخت لأب تحجبها الأختان الشقيقتان فأكثر باستكمال الثلثين.
4) إبن الأخ الشقيق
يحجبه الجد،و الأخ لأب و من حجبه، و الأخت لأب إذا كانت عاصبة مع الغير .
5) إبن الأخ لأب:
      يحجبه ابن الأخ الشقيق و من حجبه.
6) العم الشقيق:
     يحجبه ابن الأخ لأب و من حجبه.
7) العم لأب:
     يحجبه العم الشقيق و من حجبه.
8) ابن العم الشقيق:
     يحجبه العم لأب و من حجبه.
9) ابن العم لأب:
     يحجبه ابن العم الشقيق و من حجبه.
10) الجد:
     يحجبه الأب خاصة.
11) الجدة لأم:
     تحجبها الأم خاصة.
12) الجدة لأب:
     يحجبها الأب و الأم.
13) الأخ لأم و الأخت لأم:
    يحجبهما:الأب و الجد و الإبن و ابن الإبن و البنت و بنت الإبن.








الفصل الثاني: مجموع الطروح والمناقشات حول قضية المساواة في الإرث
المبحث الأول: المساواة في الإرث بين صف دداثي وآخر محافظ
تقديم:
قضية المساواة في الإرث من القضايا “الشائكة” المطروحة على النقاش العام في المغرب، وهي بمثابة دعوة مفتوحة للجدال يعاد طرحها في كل مناسبة، ويخفت الحديث حولها ويطفو دون أن يحسم لصالح طرح دون أخر، ويرسو في الغالب على ضرورة تعميق النقاش والبحث عن الإنصاف دون مصادمة النص والدستور الداعي لعدم التمييز على أساس الجنس، والحاجة الى مراجعة منظومة الإرث ككل في ارتباطها بالمعيش اليومي والبحث عن حلول موازية.
فهل يجد نقاش المساواة في الإرث بالمغرب طريقا مشتركا نحو اجتهاد فقهي؟ وهل يمكن اعتبار نقاش المساواة في الإرث بمثابة “بارومتر” لقياس مدى محافظة المجتمع؟
هل المجتمع المغ بجميع مكوناته اليوم قادر على نق
 مسؤول، يكون هدفه رفع الحيف عن المطلبالأول: المساواة في الإرث بالمغرب: جدل لا يهدأ
لمجلة "ميم" جددت فوزية العسولي الرئيسة الشرفية لفيدرالية رابطة حقوق النساء بالمغرب دعوتها بضرورة مراجعة منظومة الإرث بما يستجيب لمقصد العدل وعدم التمييز.
وأكدت فوزية عسولي ،في تصريح لمجلة ميم، أن الفدرالية منذ 2008 توصلت الى العديد من الشكايات من أسر فيها بنات فقط ، وسجلت حالات مثيرة للاهتمام، منها حالات شاركت الفتيات فيها في بناء ثروة الأسرة، وانتهت بمأساة نتيجة إشكالية التعصيب.
وترى العسولي أن الإرث لما جاء في وقته كان منصفا، وكانت العائلة الممتدة والقبيلة والعشيرة، وكانت النساء يتكلف بهن من طرف الرجال من الأب والأخ والعم . وتعتبر العسولي أن ما تحكم في الإرث هي العلاقات الممتدة، التي لم تبن على التمييز بالضرورة، موضحة أن أشكال الإرث التي تصل إلى حوالي خمس وثلاثين شكل، فيها حالات أين ترث المرأة أكثر من الرجل وتعصب عليه في حالات أخرى.
وأضافت العسولي في السياق ذاته أن المنظومة ككل كانت تستجيب للعائلة الممتدة التي لها ممتلكات عينية (أراضي ومواشي ..) على أساس استمرار الممتلكات في العائلة نفسها وبالتالي درجة القرابة الدموية محددة في النصيب.
فوزية العسولي: بكون80 بالمائة من الأسر اليوم تتزوج خارج العائلة، وأصبحت العائلة نووية ثروتها تتكون من طرف المرأة والرجل وحتى من عمل الأبناء.
و تقول العسولي ان نسبة عالية من الفتيات يشتغلن لمساعدة الأسرة ولإعالتها، وواحدة من كل ست أسر تعيلها امرأة ، وتضيف أن حوالي 7 بالمائة من هؤلاء غير متزوجات ولا أحد يتكلف بهن، مشيرة أن الأخ الذي يعتبر الأقرب لا يتكفل اليوم بأخته.
وتشدد العسولي أن هناك نوعا من الظلم والإجحاف، وأن المقصد من الرسالة هو العدل وبالتالي الطريقة التي توزع بها المواريث يجب أن تراجع في شموليتها.
واعتبرت العسولي أن النقاش يجب ان يهم كل المتخصصين على اعتبار تطور البنيات الاقتصادية والاجتماعية والنفسية.
وقالت الفاعلة النسائية “مع الأسف هناك البعض يرهب ويمنع الفكر والنقاش”.
وطالبت العلماء بالاجتهاد واستنكرت عليهم عدم تحركهم  لمواكبة مشاكل المجتمع، معتبرة أن العالم يجب أن يكون ملما بالقضايا الراهنة ويضعها في الاعتبار حين يتعامل مع النصوص التشريعية.
وأضافت أن العالم يجب ألا يحيد عن مقاصد الرسالة بحيث تبقى تستجيب لجميع الأوقات وتمتد تاريخيا، وأن يجد الناس فيها العدل، وإلا يصبح العالم مضرا بالإنسان وبالدين في حالة جموده.

عزيزة البقالي: المشكلة ليست في منظومة الارث

من جانبها ترى عزيزة البقالي رئيسة منتدى الزهراء للمرأة المغربية (ائتلاف نسائي)، أنه حين يتعلق الأمر بنقاش تدبير الأموال تثار قضية الإرث، معتبرة أن هذا النقاش مغلوط. وتسال محدثتنا “هل منظومة الإرث هي التي تساهم في كون النساء لا تأخذن حقوقهن فيما أنتجن من ثروة؟” آم أن هناك أمور أخرى تتم في الحياة العادية في حياة الأسر والمجتمع تجعل المرأة لا تأخذ حقها؟
.وكانت فدرالية رابطة حقوق النساء قد أطلقت بمناسبة اليوم الوطني للمرأة، حملة وطنية من أجل إصلاح قانون الأسرة ومواءمته مع مقتضيات دستور2011.
وكان من بين ما أوردته الفدرالية النسائية مطلب “مراجعة نظام الميراث بما يفتح الباب أمام الاجتهاد الخلاق وينسجم مع روح الدستور ومقتضياته و خاصة حضر التمييز على أساس الجنس أو الدين في احترام تام لمبدأ المساواة بين النساء والرجال و المساواة بين الأطفال واحترام حرية العقيدة، مع اعتبار بيت الزوجية حسب الأحوال المعيشية للعائلة حقا للأبناء والزوجة أو الزوج وحذفه من قائمة الموروث”.
وكان رفض المغرب لعدة توصيات تهم حقوق المرأة والحرية الفردية لدى المغاربة، خلال تقديم نتائج الاستعراض الدوري الشامل للعام الحالي في دورة مجلس حقوق الإنسان الـ 36 بجنيف السويسرية، قد أثار النقاش مجددا بالرغم من تسجيل إيجابية التزام المملكة بمواصلة جهودها من أجل حماية حقوق الإنسان.
و انتقدت جمعية “عدالة”، التي تضم أكثر من 170 جمعية وشبكة وطنية ومحلية الموقف الرسمي للمملكة، خاصة إزالة الاستثناءات ضمن الإجراءات الضرورية للرقي بمدونة الأسرة وإصلاحها، منها “زواج الأطفال دون بلوغ سن 18 سنة”، و”المساواة في الإرث”، و”إلغاء تجريم الأمهات العازبات والاعتراف القانوني التام بالأطفال المولودين خارج إطار الزواج”..
وبرر مصطفى الرميد، وزير الدولة المكلف بحقوق الإنسان موقف المملكة “من منطلق وجود ثوابت جامعة نص عليها الدستور”، مشيرا إلى أنه رغم الانتقادات التي وجهت إلى المغرب بخصوص رفضه لتلك التوصيات، فإن المجتمع المغربي “لم يحسم بعد في هذه القضايا التي تهم النظام الأخلاقي”.
يشار أن نتائج ”البحث الوطني لرؤية تدابير التنمية المستدامة لسنة 2016″، الذي أصدرته المندوبية السامية للتخطيط (رسمية ) أفادت أن أكثر 41 بالمائة من السكان لا يوافقون على المساواة بين الرجل والمرأة وان 87 بالمائة منهم لا يوافقون على اقتسام تركة الإرث بالتساوي بشكل مطلق مع المرأة.

المطلب الثاني:حقوقيات: إشارة ملكية لتعديل مدونة الأسرة وإقرار المساواة في الإرث

بعد 15 سنة على اعتماد المغرب لمدونة الأسرة سنة 2003، والتي اعتبرت "ثورة هادئة" لحماية حقوق النساء والطفولة ووضعية الأسرة، أعطى الملك محمد السادس إشارات واضحة لتعديل المدونة في ظل مطالب الحركة الحقوقية والنسائية بملاءمة مضامينها مع دستور البلاد الجديد، من جهة، والالتزامات الدولية التي صادقت عليها المملكة، من جهة إضافية.
ودعا الملك محمد السادس، في رسالة وجهها إلى المشاركين في أشغال المؤتمر الإسلامي الخامس للوزراء المكلفين بالطفولة الذي افتتحت أشغاله أمس بالرباط، تحت شعار: "نحو طفولة آمنة"، إلى "مواكبة هذه المدونة بالتقييم والتقويم، لمعالجة النقائص التي أبانت عنها التجربة"؛ وهي الإشارات التي أثنى عليها عدد من الفاعلين "لتصحيح مجموعة من التناقضات التي بات المجتمع المغربي يتخبط فيها، ومن ضمنها إقرار المساواة في الإرث"، بتعبير فوزية العسولي، رئيسة فدرالية الرابطة الديمقراطية لحقوق المرأة.
ويثير موضوع المساواة في الإرث جدلاً واسعا في المملكة بين صف حداثي وآخر محافظ، يقوده حزب العدالة والتنمية الذي يرأس الحكومة، إذ سبق لمصطفى الرميد، وزير الدولة المكلف بحقوق الإنسان، المنتمي إلى الحزب نفسه، أن عارض ذلك معتبرا "الوصول إلى المساواة في الإرث بين الرجل والمرأة سيسبب الفتنة والتكفير والإرهاب والقلاقل في دول العالم الإسلامي، ودعا إلى احترام مشاعر الناس ومعتقداتهم".
وقالت العسولي، ضمن تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، إن "مدونة الأسرة حققت فعلاً طفرة مهمة في ظرف كان فيه المجتمع يعيش صراعاً بين القوى المحافظة والحداثية، وحاولت أن توافق بين الاتجاهين؛ ولكنها اليوم أظهرت عن مجموعة من التناقضات وجب تغييرها، لأنها تعرقل التطور المنشود".
وأوضحت المتحدثة ذاتها أن "إقرار المساواة في الإرث في التعديلات المرتقبة يعد أولوية ملحة، بالنظر إلى التطور الذي حققته المرأة المغربية"، وتابعت أن "دراسات رسمية تُشير إلى أن أسرة واحدة من كل خمس أسر تعيلها نساء، ما يعني وقوع تغيرات اجتماعية في هياكل وبنيات البلد".
وحول معارضة التيار الإسلامي لمثل هذه الدعوات، اعتبرت الناشطة الحقوقية العسولي أن "هناك فهما خاطئا للنص الديني، وأن أساس الإسلام هو العدل، وليس التشبث بالقشور والميز الذي لا تقبله الإنسانية".
واتهمت العسولي هذا التيار بـ"تشويه صورة الإسلام ومحاولته لعرقلة تطور المغرب، في وقت تعيش فيه الأمم والشعوب ثورات تكنولوجية"، كما شددت على ضرورة أن تنص التعديلات المرتقبة على منع تعدد الزوجات.
من جانبها، دعت لطيفة البوحسيني، الناشطة النسائية، إلى إعادة النظر في الحالات الاستثنائية التي تركتها المدونة للقاضي بخصوص سن زواج الفتاة القاصر، وقالت الحقوقية ذاتها إن "قضاة يتحايلون على القانون بتزويج الفتاة دون سن الأهلية المحدد في 18 سنة بداعي وجود حالة استثنائية؛ وهو الأمر الذي يُهدد مسار طفلات في التعليم والتنمية"، بتعبيرها.
وأضافت البوحسيني، في تصريح لهسبريس، أن المدونة أبانت أيضا عن عيوب في تطبيق البند المتعلق بتقسيم الممتلكات بين الزوجين بعد الطلاق، بالإضافة إلى تحقيق فعلي في المساواة بين الرجل والمرأة في مسألة الولاية على الأطفال.
وأيدت الناشطة إعادة النظر في تقسيم الإرث بين الرجل والمرأة، وقالت: "لم يعد مكننا التعامل مع نصوص تم إقراراها في سياق آخر، كانت فيه المرأة تحت وصية الرجل"، واعتبرت أن "هذا القانون غير منصف، ويجب تغييره على أساس المساواة والإنصاف والعدل".


المطلب الثالث: ثورة في الإرث بالمغرب.. لمرابط وأزيد من 100 شخصية تطالب بإلغاء التعصيب
دعا العشرات من الفاعلين والنشطاء المغاربة، من بينهم كتاب وجامعيون وفنانون وإعلاميون وباحثون في التراث الإسلامي، إلى إلغاء قاعدة الإرث المعروفة بالتعصيب، وهي قاعدة مثبتة في مدونة الأسرة تفرض على الوارثات اللواتي ليس لهنَّ أخ ذكر، اقتسام ممتلكاتهن مع الأقرباء الذكور للأب المتوفى، ولو كانوا أبعدين (أعمام أو أبناء عمومة).
وعلل أصحاب النداء دعوتهم بكون نظام التعصيب ليس فرضا إلهيا، إنما هو من اجتهادات الفقه في سياقات اجتماعية وتاريخية لم يعد لها وجود اليوم. فالعصيب لم يعد يتوافق مع ما طرأ على الأسرة المغربية من تحولات في السياق الاجتماعي الراهن، إذ تجعل النساء الأكثر فقراً أكثرَ هشاشة، وتجبر الكثير من الآباء على التخلي عن ممتلكاتهم لبناتهم وهم على قيد الحياة، وأخيراً لكون القاعدة المذكورة منتجا خالصا للفقه وليس وصية إلهية.
وقد أُطلِق هذا النداء من قِبل مؤلفي كتابٍ جماعي، ومتعدد الاختصاصات حول قضية الميراث في المغرب، بتنسيق من سهام بنشقرون، نُشر مؤخراً بثلاث لغات: "ميراث النساء" (عربي)، « L’héritage des femmes » (فرنسي)، وWomen'sInheritance » « (إنجليزي).
نص النداء
يعطي قانونُ المواريث (مدونة الأسرة 2004 ) الحقَّ للرجل في الاستفادة من الإرث كاملا في حال كان الوريث الوحيد. في حين لا تستفيد المرأة من هذا الحق، إذ ترث فقط نصيبا مقدّرا معلوما يسمى فرضا. مما يعني أن الوارثات اللواتي ليس معهن شقيقٌ ذكر، ينبغي عليهن تقاسم الإرث مع الذكور الأقربين (أعمام، أبناء عمومة وغيرهم)، وفي حالة عدم وجودهم تقتسم مع أبناء عمومة أبعدين قد لا تربطهم بالأسرة آصرة أو قربى سوى الدم المشترك.
هذه الوضعية ترتبط بقاعدة التعصيب التي تحصر الورثة، بعد أصحاب الفروض، في الذكور ممن لهم قرابة نسبية بالمتوفى، علما بأن الإرث بالتعصيب كان يجد ما يبرره في السياق التاريخي الذي نشأ فيه حيث كان النظام الاجتماعي نظاما قبليا يفرض على الذكور رعاية الإناث والأشخاص الموجودين في وضعية هشة، إضافة إلى تحملهم مسؤولية الدفاع عن القبيلة وضمان عيشها. حيث كان الأمر يصل إلى حد إعطاء ديات وتعويضات من أجل سداد الخسائر والأضرار التي قد يتسبب فيها بعض أفراد القبيلة (العصبية).
هذا النظام الاجتماعي لم يعد بالتأكيد هو السائد في عصرنا الحالي، فالأسرة المغربية أصبحت مكونة في الغالب من الزوجين وأطفالهما. كما أن عدد الفتيات المتمدرسات يزيد يوما بعد يوم وتلج النساء أكثر فأكثر سوقَ الشغل بنوعيه النظامي وغير النظامي، مساهمات بذلك بشكل ملحوظ في اقتصاد البلاد.
فضلا عن ذلك فإن النساء يساهمن في إعالة أسرهن، بل إنهن في أحيان كثيرة يكنّ المعيلات الوحيدات. أما عدد النساء اللواتي يشاركن أزواجهن نفقات البيت فهو في تزايد، فضلا عن وجود حالات كثيرة تتكلف فيها ربات البيوت لوحدهن بنفقات البيت. هذا دون أن ننسى أن عدد النساء اللواتي تكفلن أنفسهن في ازدياد مطرد أيضا: مطلقات، عازبات، أرامل (تقدر إحصائيات المندوبية السامية للتخطيط عدد الأسر التي تعيلها نساء بمعدل أسرة واحدة من بين كل خمس أسر).
في السياق الاجتماعي الحالي وما عرفه من تغير في البنيات والأدوار الاجتماعية، ينتج عن تطبيق نظام الإرث عن طريق التعصيب بالنفس ظلم كبير لا يتماشى مع مقاصد الإسلام، إذ لم يعد الأعمام، أو أبناء العمومة، أو الأقارب الذكور عموما يتحملون نفقات بنات إخوتهم أو قريباتهم حتى إن كن يعانين الحاجة والعوز. مما يفرض السؤال التالي: ما الذي يبرر أن يظل الأقارب الذكور  (الأقربون أو الأبعدون) يتقاسمون الإرث مع فتيات يتيمات لا يتحملون مسؤوليتهن المادية أو المعنوية في شيء؟ إذ أن القانون الذي يبيح لهم اقتسام إرث لم يساهموا فيه لا يجبرهم في المقابل على حماية ورعاية الأسرة المعنية، بل على العكس يساهمون في تفقيرها وتعريضها للعوز.
في كثير من الحالات تتحول فترات الحزن على الميت وآلام الفراق إلى نزاع على الإرث – أحيانا قبل دفن الميت - حينما يطالب العصبة بحقهم "الشرعي" في أموال الميت وممتلكاته وذكرياته، أو حين يجبر هؤلاء النساء الثكالى على بيع منزل الأسرة لأخذ "مستحقاتهم".
في ظل وضع كهذا أصبح عدد كبير من الآباء الذين ليس لهم أبناء ذكور (وهي حالات في ازدياد متصاعد لأن الأسر المغربية لم تعد تنجب في المتوسط أكثر من ثلاثة أطفال)، لا يتقبلون أن يرث أقارب ذكور، لا تربطهم بهم آصرة سوى الدم المشترك، ممتلكاتِهم على حساب مصلحة بناتهم. وحيث إنّ القانون لا يمكنهم من حق ترك وصية تحيل التركة لبناتهم، فإنهم يضطرون لمراوغة أحكام الإرث عن طريق اللجوء للهبات والبيوع الصورية.
مما يجعلنا نتساءل: إذا كان السياق الاجتماعي والاقتصادي الذي برر، عبر التاريخ، نظامَ التعصيب بالنفس قد تغير واختلف كليا، فما الذي يسوّغ أن يستمر العمل بقانون التعصيب؟ علما بأن هذا القانون  لا يجد له أي سند في القرآن الكريم، فضلا عن أنه لا يتناسب مع مقاصد الشريعة الإسلامية في تحقيق العدل بين الناس.
من أجل كل هذه الاعتبارات، وانسجاما مع تحقيق روح العدل والمساواة، نطالب نحن الموقعين أسفله بالتالي:
إلغاء نظام الإرث عن طريق التعصيب من قانون المواريث المغربي، على غرار ما مضت فيه بلدان إسلامية أخرى.

المطلب الرابع:جدل الإرث بالمغرب.. من المساواة إلى إلغاء العصبة
1عزيزة بوعلام-الرباط
ثارت الدعوة مجددا إلى المساواة في الإرث وإلغاء العصبة من نظامه، جدلا مجتمعيا واسعا بالمغرب في صفوف المفكرين والباحثين والعلماء، وانقساما حادا بين مؤيدين يرون في الموضوع مدخلا لتحقيق العدالة بين الجنسين، ورافضين يؤكدون أنه مس بالمقدسات المحكمة بنص شرعي لا يجوز مخالفته.
وتفرض قاعدة الإرث المعروفة بالعصبة (التعصيب)، على الوارثات اللواتي ليس لهن أخ شقيق ذكر، اقتسام الميراث مع الأقرباء الذكور للأب المتوفى ولو كانوا أبعدين (أعماما أو أبناء عمومة).
واندلع هذا السجال وحرب العرائض بعد تصريحات للكاتبة أسماء لمرابط رئيسة "مركز الدراسات النسائية في الإسلام" التابع "للرابطة المحمدية لعلماء المغرب"، دعت فيها إلى إعادة النظر في نظام الإرث على قاعدة المساواة بين الرجال والنساء، لينطلق الجدل بين المدافعين عن المطلب والرافضين له.
لكن الحملة أثارت حفيظة عدد من المفكرين والعلماء، دخل مجموعة منهم على خط السجال القائم للتعبير عن رفضهم لمبدأ المساواة في الإرث وإلغاء العصبة.
ويرى أستاذ التعليم العالي للدراسات الإسلامية وأحد علماء مدينة الدار البيضاء أحمد كافي أن الجدل حول نظام الإرث لا معنى له ولا يمكن الخوض فيه إلا في دائرة الشرع، على اعتبار أن الأمر لا بد أن يتحدث فيه العلماء ذوو الاختصاص.
واعتبر كافي أن النقاش في الموضوع سياسي وأيدولوجي بالدرجة الأولى، وليس فقهيا وعلميا حول موضوع تعد 90% من مضامينه وأصوله قرآنية قطعية، وتشكل "ركائز لا يجوز تغييرها بالإلغاء العرائضي الذي سيدخلنا في سرداب توقيعات معاكسة لا تعد ولا تحصى".
أما الباحث والأستاذ بالمعهد العالي للقضاء محمد إيكيج فاعتبر الدعوات إلى المساواة وإلغاء نظام الإرث كليا متطرفة، وهو أمر غير مقبول برأيه في سياق مجتمعي له خصوصيته الثقافية والحضارية والدينية، وله ثوابته المتجذرة.

وقال "إن قضايا الإرث القطعية الثبوت والدلالة، وخاصة الأنصبة الشرعية المقدرة في القرآن الكريم، محسومة وغير قابلة لأي نقاش أو اجتهاد". أما ما ينتمي إلى الاجتهاد الفقهي برأيه، فيمكن النظر فيه وقراءته من جديد.
وسحب إيكيج توقيعه من عريضة الدعوة إلى تعديل قوانين الميراث، قائلا إن الجهة العلمية التي اقترحت عليه التوقيع أخبرته أن الأمر يتعلق برفع التماس إلى الملك محمد السادس لإبداء نظره في المسألة، لأنها تدخل في نطاق اختصاصاته الدستورية بصفته أميرا للمؤمنين وحاميا للملة والدين، لكن "الأمر تحول عن مساره فأصبح عبارة عن بيان للرأي العام قد يجر المجتمع ونخبه إلى الاستقطاب بدل الحوار والتوافق".
بدائل
ووسط تزايد رقعة الهجوم الحاد على الداعين إلى تعديل قوانين الميراث، أكد محمد جبرون -وهو أحد الموقعين على اللائحة- أن المطالبين بمراجعة بعض الأحكام التي يرونها غير منصفة للمرأة؛ ليسوا ضد الدين، وإنما ينطلقون مبدئيا من المرجعية الإسلامية في مطلب العدل في تطبيق أحكامه.
ويرى جبرون الأستاذ الباحث في التاريخ والفكر الإسلامي أن الصيغ والقوانين في تقسيم الإرث المنصوص عليها في القرآن، هي في الأصل قوانين منصوص عليها ومعمول بها قبل الإسلام، والنظام المعاملاتي -برأيه- هو أفضل ما كان في ذلك الوقت، لكن ليس معناه أنه هو أفق الاسلام التام.
لذلك يرى أن موضوع المساواة في الإرث ليس فعلا ورد فعل، وليس للمنافسة والمناكفة والمدافعة أو الانقسام الاجتماعي حوله، وإنما هو "للنظر والاجتهاد الذي يجب أن يُحكم بأصول المصلحة والعدالة والإنصاف".
ووقع عشرات الفاعلين السياسيين والحقوقيين والباحثين عريضة تطالب بإلغاء نظام العصبة بدعوى أنه مجحف لحق المرأة في الميراث، ولا يتناسب مع مقاصد الشريعة الإسلامية في تحقيق العدل بين الناس.http://www.aljazeera.net/App_Themes/SharedImages/top-page.gif
المصدر : الجزيرة


2- قانون الإرث المغربي بين ظلم العرف وإجحاف حساب المواريث
قانون الإرث المغربي بين ظلم العرف وإجحاف حساب المواريث
فاطمة واياو
الثلاثاء 06 مارس 2018 - 07:47
يأتي اليوم العالمي للمرأة هذه السنة ونحن على مشارف السنة الثالثة للنقاش حول المساواة في الإرث، حيث يعود التساؤل حول ما آل إليه هذا النقاش، وهل تحققت خطوات عملية على درب تغيير القانون المنظم للإرث بالمغرب؟ ولعل ما صرح به المفكر المغربي عبد الله العروي في مستهل سنة 2018، خلال تكريمه من طرف جامعة محمد الخامس ومعهد العالم العربي، حيث أكد أهمية فرض الوصية كسبيل لتقسيم التركة، وبالتالي تحقيق المساواة في الإرث بشكل سلس وضمان الحقوق الإنسانية للأفراد إناثا وذكورا.
إن أي حديث عن المرأة والإرث لا بد أن نستحضر في مستهله العلاقة الوطيدة بين أي قضية متعلقة بالمرأة وطبيعة المجتمعات الباترياركية. فأي مقاربة جدية لا بد أن لا تستبعد العلاقة الوطيدة بين الأديان والتقاليد الأبوية، التي تجعل المرأة كائنا ناقصا وشخصا غير مكتمل الأهلية، مما يجعل كل الأحكام المستمدة من الدين مجحفة في حقها. ولعل قضية الإرث، كما جاء بها التشريع الإسلامي، تدخل ضمن القضايا الشائكة والمجحفة أيضا، وبالتالي أصبحت المطالبة بمراجعة هذه الأحكام ضرورة قصوى تفرضها الوضعية الراهنة للمرأة العربية المسلمة، وعلى وجه التحديد المرأة المغربية.
طرحت قضية المساواة في الإرث من خلال مراجعة الأحكام المتعلقة بالمواريث في المغرب منذ سنة 2015، من خلال الحملة التي دشنتها الرابطة الديمقراطية لحقوق المرأة في يونيو 2017، علما أنه سبق هذه الحملة نداء وجهه الفقيه المغربي محمد عبد الوهاب رفيقي للمساواة في الإرث. وقد أعقبتها نداءات كثيرة، لعل أهمها طرح القضية أمام البرلمان من طرف إدريس لشكر، الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي، ثم بعد ذلك توصية المجلس الوطني لحقوق الإنسان، في غضون شهر ماي من السنة نفسها.
إن الحملة الأخيرة التي قامت بها الجمعية الديمقراطية لنساء المغرب، والمتعلقة بالتوعية بالتمييز والإجحاف المرتبطين ببعض الأحكام الإسلامية، ومن بينها الإرث، كانت تهدف إلى توعية المواطنين، نساء ورجالا، بضرورة تحقيق المساواة بين الجنسين في الإرث، خاصة أن العديد من الاستطلاعات أبانت بأن هناك لبسا وغموضا في هذه القضية، مما يجعل أصواتا عديدة تقف ضد المساواة، من بينها أصوات نسائية. والجدير بالذكر أن هذه الحملة كانت تحت شعار "وعلاش لا".
يقول الطاهر حداد في كتابه "امرأتنا في الشريعة والمجتمع": يجب أن نعتبر الفرق الكبير البيّن بين ما أتى به الإسلام وما جاء من أجله، وهو جوهره ومعناه فيبقى خالدا بخلوده، قد علل الفقهاء نقص ميراثها عن الرجل بكفالته لها. ولا شيء يجعلنا نعتقد خلود هذه الحالة دون تغيير. على أننا نجد الإسلام نفسه قد تجاوز هذه الحالة التي وجدها أمامه في كثير من أحكامه، اعتباراً بضرورة تبدُّلِها مع الزمن فقرر للمرأة حريتها المدنية في وجوه الاكتساب وتنمية المال بالتجارة وغيرها من التصرفات. وفيما أرى أن الإسلام في جوهره لا يمانع في تقرير هذه المساواة من كامل وجوهها متى انتهت أسباب التفوق وتوفرت الوسائل الموجبة". من خلال القولة هذه يتضح أنه سبق أن طرح موضوع الإرث من قبل علماء مسلمين، في عقود سابقة، وهو ما يعني أن دعوات العلماء المعاصرين ليست بالجديدة، فمعلوم أن الطاهر حداد كان قد أفتى بضرورة المساواة في الإرث، وبالتالي كان هناك علماء متنورون استطاعوا إعادة النظر في العديد من الأحكام الفقهية، والنصوص القرآنية لماذا إذن يتعثر إصلاح قانون الإرث، ويعود متقهقرا إلى نقطة البداية؟ أليس موضوع الإرث بكل ما يشوبه من مظالم وإجحاف موضوعا أبويا، يجسد بشكل صارخ هذه الأبوية المستحدثة، مما دفع بكل الأصوات التي تنادي بالمساواة إلى أن يصبح صوتها مبحوحا إن لم نقل أخرس كلما تعلق الأمر بتقسيم التركة؟
لعل الإجابة عن مثل هذا السؤال الإشكالي تفرض تحليلا ومقاربة لقضية المرأة في المجتمعات الأبوية، وهي مجتمعات، كما هو معلوم، تجعل المرأة تابعة لسلطة الرجل، ليس فقط المعنوية، ولكن وبالأساس سلطته المادية، فهو المتحكم في وسائل الإنتاج. من هنا فإن أي حديث عن هذه الوسائل أو أي ثروة مرتبطة به لا بد أن يخضع لهذه السلطة الأبوية، هذه السلطة التي يجب أن لا تفقد سلطتها وقوتها. من هنا فإن تقسيم الإرث بالتساوي بين الإناث والذكور سيضعف السلطة الأبوية. وليس أدل على هذا التوجه هذه القداسة التي تحيط بموضوع الإرث في المنظومة الفكرية العربية الإسلامية، حيث إن كل من يريد تحقيق العدل والمساواة بين ورثته، إناثا وذكورا، مستعملا أداة شرعية، ألا وهي الوصية، يواجه بالكثير من اللوم قد يصل إلى اتهامه بالخروج عن الدين، مع العلم أن الوصية جعلها الوحي مقدمة على تقسيم التركة.
هكذا تغدو أي مبادرة تسير في اتجاه تقديم الوصية على الإراثة، والتي ستجعل أمر المساواة في الإرث بين الذكور والإناث ميسرا ومقبولا على الصعيدين الثقافي والاجتماعي. من هنا فإن ما قام به، مثلا، رئيس المنتدى المغربي للحقيقة والإنصاف، مصطفى المانوزي، من خلال وصيته بالمساواة بين أبنائه وبناته وزوجته ووالدته حين تقسيم تركته، يعتبر بادرة طيبة وقدوة ستتيح للمجتمع تقبل فكرة المساواة بين النساء والرجال في الإرث. وكما يقول عالم الاجتماع توك توفيل فإن الحداثة لا تتحقق إلا بالحرية، وهذه الحرية لا تكتمل إلا بالمساواة بين جميع أفراد المجتمع دون تمييز. وهنا علينا أن نحيي تونس وشجاعة أهلها في مثل هذه الإنجازات، فقد أعلن أن تونس ستعطي الحق للمرأة التونسية المسلمة في أن تتزوج بغير المسلم، وأنها أيضا ستحصل على المساواة في الإرث. أيضا ألا يمكن القول بأن تغيير قانون الإرث، إن تم، سيمكننا من المطالبة بجعل كل القوانين الأسرية ضمن القانون المدني؟ في انتظار أن تتحقق المطالب بمساواة وعدالة ومواطنة حقيقية لكل أفراد المجتمع دون تمييز على أساس الجنس، يفرض علينا واقع الحال تذكر معاناة نساء جراء الحرمان أو التعسف في تقسيم التركة. والأمثلة عديدة على امتداد رقعة الوطن، عن ضحايا تعسف أعراف وقوانين الجماعات السلاليات، حيث حرمت نساء على امتداد أجيال وأجيال، ولم يغير تطبيق الشريعة الإسلامية من واقعهن ومصيرهن قيد أنملة.
في الأخير أسرد عليكم هذه الحكاية الواقعية، وهي ضمن ملفات الاستماع إلى ضحايا العنف، كقطرة في بحر لجي من المشاكل التي يثيرها قانون الإرث: إنها قضية الزوجة التي مات زوجها ولم يكن لديهما أبناء، كانت هذه الأرملة مريضة وطاعنة في السن، ظلت إلى جانب زوجها أثناء مرضه إلى أن وافته المنية. لم يكن أحد من إخوته يزوره، باستثناء بعض الجيران الذين كانوا يمدون له يد العون. كان الزوجان يعيشان في كوخ صغير، له سياج من الإسمنت وسقف من القصدير. ظل الزوجان يشد أحدهما أزر الآخر في السراء والضراء. كان هو قبل مرضه يشتغل حارسا ليليا، وكانت هي في عز صحتها خادمة للبيوت، وقد استطاعا أن يسيجا كوخهما الصغير، ويجعلا فيه أثاثا بسيطا. لم يرزقا بالذرية، ولكن ظلا متشبثين ببعضهما إلى أن توفي الزوج.
كانت الزوجة وحيدة لا أهل لها، فقد توفي والداها، ولم يكن لها إخوة، غير أن الزوج لم يختلف عنها كثيرا، فلم يكن إخوته يزورونه، حيث عاشا حياتهما وحيدين إلا من بعض الزيارات الخاطفة للجيران. ومع الحزن الشديد الذي تركه غياب الزوج، إلا أن مأساة هذه السيدة الحقيقية لم تنته، فقد كتب لها أن تتجرع مرارة ظلم ذوي القربى، فبعد وفاة الزوج جاء إخوته إليها يطلبون حقهم في إرث أخيهم، وأي إرث؟ فالمرحوم لم يترك سوى هذا المأوى الذي سترهما طوال حياتهما وجنبهما ذل التشرد. المأساة أن هؤلاء الإخوة كانوا جميعا موظفين، ولهم مساكنهم، وهي شقق جميلة في أحياء فاخرة. وكان تبريرهم في إصرارهم على المطالبة بتقسيم تركة أخيهم هو أنهم حريصون على "تطبيق الشرع"، الذي يفرض عليهم بيع عقار الأخ وتقسيمه بينهم. ولأن تركة الأخ هزيلة، فإن الضحية الأولى لمثل هذا التقسيم كانت هي الزوجة الفقيرة، التي ستتشرد ولن تجد مأوى يقيها برد الشتاء ولا مكانا يحميها من حر الصيف. نصيبها الهزيل لن يمكنها من شراء مسكن مهما كان بسيطا، ولا كراء مسكن مهما كان هزيلا. نسي هؤلاء الإخوة أن الرحمة والإنسانية هما أيضا من صميم الشرع، فماذا سيخسرون لو تركوا زوجة أخيهم في كوخها تتدبر ما بقي لها من أيام ويمنعون عنها التشرد في كبرها؟ ألا يأمرهم الشرع بأن يحسنوا لذوي القربى باعتبار ذلك أولوية قصوى؟. ولأنهم على مقدرة مادية ألم يكن يجدر بهم أن يحسنوا لزوجة أخيهم، بل أين كانوا حينما كان أخوهم مريضا ووقت احتضاره؟؟؟
هذه السيدة لم تترك بابا إلا طرقته، لكن الجمعيات والحقوقيون وقفوا عاجزين أمام هذه المأساة، فقانون الإرث واضح، ولا مجال فيه لإنصافها، ولا وجود حتى لثغرة يمكن النفاذ منها لإنقاذها من التشرد المحقق.
هذه الحكاية الواقعية مجرد قطرة في بحر لجي من الأمثلة، حيث تظلم فتيات ونساء بفعل قانون الإرث، والأفظع أن من ينادون بتطبيق الشرع يتغاضون عن الحرمان الذي كان يطال النساء السلاليات، حيث كن يحرمن باسم العرف هذه المرة من إرثهن، حتى ذلك النصيب المجحف الشرعي. رغم ذلك لم يسبق أن وقف فقيه أو عالم دين يحفظ قانون المواريث عن ظهر قلب ضد هذا الظلم المضاعف، أم أن الأمر لم يكن خطيرا مادام لا يمس حصة الذكور، بل يجعلهم في موقع قوة.
في النهاية وأنا أنهي مقالي هذا، استرعى انتباهي ما جاء في مقال الأستاذ سمير عبلة، المنشور بهسبريس في عدد يوم الخميس 1 مارس 2018، عن تلك المرأة التي أهملها أبناؤها في دار للعجزة، وبالتحديد ما عبر عنه أكبر أبنائها حينما كانوا يقتسمون تركة والدهم، "ماذا سنفعل بهذه التركة الآدمية؟"، مشيرا إلى والدته. من هنا فالمرأة هي الحلقة الأضعف، ليس فقط في موضوع الإرث، بل في كل القوانين والتقاليد المجحفة في حقها.


3- دعوة قديمة في حلة جديدة
كان خروج الباحثة والكاتبة المغربية أسماء لمرابط من رئاسة "مركز الدراسات النسائية في الإسلام"، التابع للرابطة المحمدية لعلماء المغرب، بداية لتجديد مطالب إرساء المساواة بين الرجل والمرأة في الميراث. لمرابط قدمت استقالتها بعد ظهورها الإعلامي يوم 17 مارس 2018، والتي دعت فيها إلى المساواة في الميراث بين الجنسين. وقد تصاعد النقاش بين مؤيدين لمبدأ التساوي في الميراث ورافضين لما "حسمت فيه النصوص المقدسة".
لمرابط، المعروفة بمواقفها الجريئة فيما يخص تحليل النص الديني، أكدت خلال مناقشتها لكتاب "ميراث النساء"، في الجامعة الدولية بالرباط، أن "إعطاء حصة متساوية للمرأة في الإرث في عمق مقاصد الإسلام، وليس ضده". كما دعت في مداخلتها إلى "إنشاء لجنة ملكية يتناقش فيها الكل، كما تم الأمر بالنسبة لمدونة الأسرة "، حسب منابر إعلامية مغربية.
وتجدر الإشارة إلى أن موضوع الميراث عرف طريقه إلى النقاش عام 2015 في المغرب، لَما طرح المجلس الوطني لحقوق الإنسان تقريرا يتضمن توصية حول المناصفة بين الرجل والمرأة في نظام الإرث. ولاقى التقرير حينها نقدا لاذعا، كان أبرزه ما صرح به عبد الإله بنكيران، رئيس الحكومة المغربية حينذاك، إذ اتّهم المجلس ورئيسه بـ"إثارة الفتنة". وعلل بنكيران موقفه هذا، ضمن حوار بث على "قناة ميدي 1 تي في" المغربية حينها، معتبرا أن "الإرث دينا وليس سياسة، وبأن الله تعالى حسم الموضوع بقوله "يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين."
4- عريضة للمساواة باسم المثقفين
الكاتبة ليلى سليماني والباحث في شؤون الإسلام رشيد بنزين والممثلة لطيفة أحرار فضلاً عن أسماء لمرابط ومثقفون آخرون من مجالات مختلفة، وقعوا على عريضة تدعو إلى "إنهاء التمييز ضد المرأة في قوانين الميراث"، وبالخصوص "قاعدة التعصيب" التي يرَوْنَها "ظالمة".
العريضة التي وُقعت يوم الأربعاء 21 مارس 2017، دعت إلى إلغاء "التعصيب" باعتباره أمرا تقديريا وليس فيه نصا صريحا مثل النصوص التي تتحدث عن الإرث بالفرض.
الموقعون على العريضة أوضحوا أيضا أن "الأسرة المغربية تقتصر في أغلب الأحيان على الوالدين والأبناء... ولهذا يصبح مبدأ التعصيب ظالما". وفي هذا الصدد قدمت العريضة مثال "اليتيمات اللواتي ليس لهن أشقاء، وعليهن (بحسب قاعدة التعصيب) أن يتقاسمن الإرث مع أقرب الذكور إلى المتوفي (..) حتى إن كانوا مجهولين ولم يسبق لهم الاتصال بالأسرة".
في هذا الاتجاه، تحدث الصحافي عمر إسرى لـDWعربية، قائلا: "الدولة بمفهومها العصري تتعامل مع المواطن بغض النظر عن دينه" ويضيف: "الدين لله والوطن للجميع، فكيف نطبق مثلا الإرث بالتعصيب على أسرة مغربية اعتنقت المسيحية؟".
5- لا فرق بين ذكر وأنثى إلا في الميراث!
على خطى التونسيات اللواتي نزلن إلى الشارع قبل أسابيع رافعات شعار "المساواة في الإرث حق مش مزية" (المساواة في الإرث حق وليس ميزة)، وضعت مغربيات كثيرات هذا الشعار على صورهن الشخصية في "فيسبوك".
ليلى كانوني، شابة مغربية في العشرينات من عمرها، تحدثت لـ DWعربية عن السبب وراء إقدامها هي الأخرى على هذه الخطوة قائلة: "أريد الدفاع عن المساواة في الإرث بين المرأة والرجل"، مضيفة "مادام الكل إنسان... فالإرث يجب أن يقَسَم بالتساوي".
وكانت الأمم المتحدة قد أصدرت تقريرا حديثا، أقر بوجود "تمييز كبير" بين الإناث والذكور في نظام الإرث بالمغرب، ونص التقرير أيضا على أن 33 في المائة من النساء يؤيدن تغيير قانون الميراث من أجل المساواة بين الجنسين، مقابل تأييد 5 بالمائة فقط من الرجال المغاربة لهذا التغيير.
وفي هذا الصدد، يقول الصحافي إسرى: "قام المغرب بإصلاحات مهمة في مجال المساواة بين الرجل والمرأة، ويجب عليه مواصلة السير قدما في هذا الاتجاه". ويضيف موضحا الكيفية التي ينبغي الاعتماد عليها لتحقيق هذا المطلب: "عن طريق الاجتهاد، والالتزام بالتشريعات الدولية التي صادق عليها والتي تنص على ضرورة القضاء على كل أشكال التمييز بين الجنسين".




المبحث الثاني: نقاش الإرث بالمغرب: الشرع والواقع والأيديولوجيا
أثار موضوع المساواة بين الجنسين في الميراث بالمغرب سجالًا حادًا بين مؤيدين يرون أن السياق الاجتماعي والاقتصادي والثقافي للبلد قد تغير ويحتاج لمزيد من المراجعات والاجتهادات، ورافضين يمسكون بالنصوص القرآنية بشكل حرفي، ويرون أن الإرث خط أحمر لا يجادل، ولا يمكن المساس به، أو حتى مناقشة تفاصيله.

المطلب الأول: ضرورة التحرر من الأديلوجية
قبل أيام قليلة، كشف ولي العهد السعودي عن حقيقة تاريخية يجب أن يقف عليها الباحثون في علم الاجتماع الديني، لمعرفة تأثير السياسة في بناء النسق الديني. إذ قال محمد بن سلمان لصحيفة "واشنطن بوست" الأميركية: إن انتشار الفكر الوهابي في بلاده يعود إلى فترة الحرب الباردة عندما طلبت "دول حليفة" من السعودية استخدام أموالها لمنع تقدم الاتحاد السوفياتي في دول العالم الإسلامي.
هذا التصريح الصادم، يفتح دائرة التفكير في كيفية تشكل تصورات الناس حول قضايا مصيرية. فخلال العقود الثلاثة الأخيرة، فقط، مات الآلاف من الشباب في جبهات حروب وتوترات عدة وهم على اعتقاد يقيني بأنهم يقومون بأعمال جليلة يرضاها الله ويحبها، بينما هي في الحقيقة مجرّد تعبئة لمصلحة حسابات سياسية وأيديولوجية ومصلحية، لا أقل ولا أكثر.
سبب هذه المقدمة هو محاولة فهم أسباب وتداعيات الجدال الدائر في المجتمع المغربي حول موضوع تعديل بعض بنود قانون الإرث الإسلامي (خصوصاً مبدأ التعصيب). مع استحضار التأثيرات السياسية والأيدلوجية في مسار هذا النقاش.
لذا، يُطرح السؤال التالي:
لماذا يحظى موضوع الإرث بكل هذه الحساسية المجتمعية في الخلاف، بينما هناك أمور كثيرة في الدين "الحدود / الربا..." غير مفعَّلة ولا تحظى بكل هذا التجاذب الشديد؟
لسائل أن يسأل: ما هي علاقة التأثيرات الأيديولوجية بنقاش مجتمعي متصل باختلاف في الموقف الديني يترتب عليه نظام قانوني جديد.
في البداية، وقبل البسط. لا بد من التأكيد أن نقاش الإرث ليس نتاج اليوم. بل هو مادة جدال أيديولوجي قائم مند عقود بين التيار "الإسلاموي" والتيار "الحداثوي" إن جاز التعبير ... ومحور هذا الصراع موقع المرأة في المجتمع المعاصر وعلاقة ذلك بتحولات مجتمع ممانع  للحداثة وقيم المساواة التي تؤطرها الاتفاقيات الدولية كاتفاقية "السيداو" اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة .
 ومعروف أن هذا الصراع الحاد بلغ أوجه مع "الخطة الوطنية لإدماج المرأة في التنمية سنة 1999" وأفضى إلى استقطاب حاد بين القطبين المتصارعين أنهاه تدخل ملكي، نجمت عنه مدونة الأسرة الجديدة سنة 2004.
يهمنا من خلال هذا البسط هنا أن نظهر المبعث الأيديولوجي للنقاش حول الإرث، وهذا لا يعني أن هناك ضرورة سوسيولوجية ومعرفية قائمة لمناقشة الموضوع بالعمق والجدية المطلوبين. غير أن هناك ملاحظتين بارزتين تعترضان التناول الطبيعي للموضوع.
أولاً:
العريضة التي دفعت بها ثلّة من المثقفين المغاربة حول موضوع إلغاء التعصيب ضمت 100 شخصية وجاءت تحمل إضافة جديدة، ليس في حجمها وبراهينها ودفوعاتها، فهذا ليس من اختصاص العرائض ولا ينبغي لها ذلك. لكن جديد هذه العريضة هو التحاق أسماء كانت إلى الزمن القريب محسوبة على تيار القراءة المُغلقة والمؤدلجة للنص القرآني. أسماء مثل: محمد جبرون – خديجة مفيد – محمد عبد الوهاب رفيقي، تنتمي إلى تيار مجتمعي يرى في أي نقاش حول المرأة وحقوقها مؤامرة غربية (صهيونية) تستهدف الأسرة المسلمة وإسلام المرأة وأخلاقها وعفّتها ...
 فهل هناك تحولات فكرية عميقة تقع في هذا التيّار المجتمعي لم يُعلن عنها لأسباب ربما سياسية أو تموقعية؟
أم أن هناك حِراكاً فكرياً ذاتياً يقوم به الأفراد "كذوات مفكرة" بعيدًا من تسلط التنظيمات وصرامة التبعية ... الإجابة عن هذه التساؤلات ستكشفها الأيام حتماً.
ثانياً:
هناك تساؤل مشروع عن الدوافع التي جعلت وجوهاً (فقهاء) محسوبة حالياً على الإسلام الرسمي (مصطفى بن حمزة المجلس العلمي الأعلى  –  محمد الروكِي رئيس جامعة القرويين) ثم أحمد  الريسوني (الإسلام الحركي) تتصدر الرد على العريضة.
هؤلاء الفقهاء الثلاثة لهم أصل مشترك هو "الانتماء في زمن ما" إلى تيار إسلامي معيّن. كلهم تصدروا جبهة المنافحين عن قُدسية النظام الإرثي الإسلامي كما هو قائم حالياً عبر قراءة مُعينة للمتن الديني.
بل إن الاتجاه العام للردود، ما عدا رد بن حمزة، كان ذا طبيعة سجالية تقدح في الطرف الذي يقول بإمكان التغيير عبر تأويل النصوص وتكيفها مع الواقع. ومبرر هذا القدح هو جهل الموقعين بالشرعية وعدم تخصصهم في العلوم الشرعية ...
هنا، لا نحجر على الحق في الردود، ولا على إعطاء أحكام قيمة حولها. لكن فقط نتساءل: هل الدافع من تصدر هؤلاء العلماء جبهة المنافحين مردّهُ إلى تحقيق وظيفة علماء الدين التقليدية في التنبيه إلى أي اعتداء قد يمس "الإطار الديني"..؟ أم أن هناك تأثيرات أيديولوجية مُعنية قد تكون هي الباعث (سبق لهؤلاء أن كان لهم دور محوري في إسقاط الخطة سنة 2000). وإلا لماذا لم نسمع إلى غاية الآن أي موقف من باقي رجال الدين الرسميين حول هذا الجدال الدائر الذي وصل إلى الإعلام العمومي.
2
النقطة الثانية التي تثير الانتباه فعلاً في هذا الموضوع هي محورية الباحثة أسماء المرابط في هذا النقاش؟
يبدو للوهلة الأولى أن مرجع تفجّر هذا النقاش هو استقالة أو إقالة المرابط من رئاسة مركز بحثي تابع للرابطة المحمدية للعلماء، بسبب موقفها من المساواة في الإرث المعلن أخيرًا وفق تصور يتصادم مع الفهم الديني الحالي، والذي لا ينسجم مع الخط العام للرابطة كمؤسسة دينية رسمية.
إلى هنا، يبدو الأمر عادياً: باحثة جادّة (صاحبة مؤلفات في مجال النسوية الإسلامية) لها موقف متقدم لا يستوعبه إطار مؤسسة دينية محافظة: النتيجة استقالة الباحثة حفاظاً على استقلال موقفها ودرء الإحراج عن الرابطة.
المثير في الأمر أن موقف أسماء لمرابط من المساواة في الإرث ليس جديداً. هو متضمن في كتابها الصادر عن الرابطة المحمدية للعلماء سنة 2010 الموسوم "بالنساء والقرآن: قراءة للتحرر"، على رَغم أن الموقف يبدو ملتبساً في سياق كتاب يبحث عن الحداثة من داخل التراث الإسلامي الرسمي، وربما هذا هو الدافع من وراء عدم التركيز على موقفها، لحظتها من الإرث.
تقول المرابط في الصفحة 196 من الكتاب السالف ذكره، "إن قانون الإرث في الإسلام متشابك جداً لدرجة لا يمكن اختزاله في قاعدة واحدة" أي للذكر مثل حظ الأنثيين" (الآية 11 سورة النساء).
بل ترى المرابط أن أصل الإرث هو الآية 7 من سورة النساء والتي تقول: "لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ  نَصِيبًا مَّفْرُوضًا". من هنا تنطلق أسماء المرابط في البرهنة على أن مبدأ التساوي هو الأصل في قانون الإرث الإسلامي حيث تقول: "هذه الآية تبيّن كيف أن النص القرآني ينطلق من مبدأ عام مفاده أن للمرأة الحق في أن ترث نصيباً متساوياً مع الرجل ...
فهل هناك موقف أوضح من هذا؟
لكن، حسب المرابط هناك انحراف حقيقي وقع في سياق ما. هو أن الآية رقم 7 لا يتم ذكرها عند الحديث عن الإرث بالقدر الذي يتم فيه الحديث عن الآية 11. أي الآية التي تقول: "للذكر مثل حظ الأنثيين"، التي تقدم دائماً وكأنها القراءة الوحيدة فقط التي تتعلق بنظام الميراث في الإسلام. ص 197.
ولفك الاشتباك الحاصل ما بين الآية 7 والآية 11 من "سورة النساء"، وجدت المرابط نفسها في صيغة تبريرية حتى تخرج من هذا المأزق لمصلحة الهدفين المنشودين: الأول هو الانتصار لقضية مساواة المرأة مع الرجل (صلب أطروحة الكتاب) وجعلت هذه المساواة متسقة مع روح النص القرآني. الثاني، هو إرجاع واقع ألا مساواة في المنظومة الإسلامية إلى طبيعة التأويل الذكوري للفقه الإسلامي. وهنا تقول:
ويترتب عما سبق أن الأخ حتى إن كان نصيبه من الإرث ضعف ما ترثه أخته، فإن بين ميراثه وميراثها اختلافاً مهماً. بعبارة أدق، يمكننا أن نقول إن المبلغ الذي ترثه الأخت هو مبلغ صافٍ يُضاف إلى أموالها. بعكس المبلغ الذي يرثه الأخ والذي يجب النظر إليه باعتباره مبلغاً خاماً، من المفترض أن نستخلص منه مصاريف إعالة أشخاص آخرين الذين تقع مسؤوليتهم على عاتقه.
مع أن هذا التبرير الذي ساقته المرابط يبقى من دون معنى عملي وقابلاً للدحض من طرف أي دراسة سوسيولوجية تعالج تحولات الأسرة المعاصرة. الأمر الذي انتبهت له في الفقرة الموالية ما يزيد من غموض الموقف، حيث تقول:
ومع ذلك، يجب علينا أن نعترف بأن المبادئ القرآنية المتعلقة بالإعالة والمسؤولية المالية الواجبة على الأقارب من الذكور لا تحترم ولا تطبق على الوجه المطلوب، بل تبقى للأسف الشديد حاضرة على المستوى النظري ليس إلا. ص 198
تأسيساً على ما سبق، يبرز جلياً أن هناك شيئاً ما غير طبيعي في نقاش الإرث، غير متسق مع منطق الأشياء...
 فما الجديد إذاً في مواقف الباحثة أسماء المرابط حتى تُقام كل هذه الضجّة، بينما آراؤها موثقة في مؤلف بحثي وصادر عن المؤسسة التي استقالت منها؟
إنها مفارقات العقل بلغة عبدالله العروي.
 أم أن القضايا التي تؤثر في الرأي العام لا يهم أن تكون مكتوبة، بقدر ما تقال وتروج على مواقع التواصل الاجتماعي!


الإرث في المغرب جدال قديم
نعيمة عبدلاوي

 المطلب الثاني: طرح المحافظين
"وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا (5) يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آَلِ يَعْقُوبَ " (مريم:5،6).
لا يزال فهم يعقوب عليه السلام هو المخيال الذي يحكم إدراك العربي المسلم لمستقبل تركته، المخيال الذي يقبل أن يتعطل تفعيل شرع الله في أحكام الإرث نفسها التي يعتبرها مستمدة من نصوص قطعية حين تُحْرم النساء المسلمات في معظم الدول المسلمة/الإسلامية من حقها فيه وبتطبيع كامل من سَدنة المعبد وحراسه: الفقهاء والعلماء وأصحاب التخصص والمؤسسات الدينية ولا تنتفض حَميتهم لنفس شرع الله وفي نفس المسألة، إلا إذا طالبت أصوات نسائية خاصة، أو رجالية نادرا من داخل المنظومة التراثية نفسها بمساواة في الإرث.
في قضية الإرث التي تثير جدلا مجتمعيا كبيرا المتغير الأهم مالي، و المال عصب الحرب كما الحياة جميعا.
ولأصحاب الامتيازات عادة سلوكات شَرْطية غريزية تدفعهم للاستماتة بل للقتل مرات من أجل حفظها واستمرارها.
المالي هنا يحيلنا أيضا إلى الإنفاق الذي يحليلنا بدوره إلى القِوامة: النموذج التفسيري الذي يتحكم في إدراكاتنا لعلاقة المرأة والرجل في جميع مستوياتها داخل المجتمعات الإسلامية.
القوامة التي اختزلها تراثنا الانتقائي في الإنفاق و أغفلها في الآيتين الأخريين حيث تخص جماعة المؤمنين ذكورا و إناثا :" يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ " ثم " ثم "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ ".
أي تغيير في مفهوم القوامة سينتج عنه تغيير في طبيعة العلاقات الاجتماعية والمجتمعية التي هي متغيرة بدرجات ما في الواقع والسلوكات لكن دون أن تلتحق بها الذهنيات. ومن يعرف طريقة اشتغال عقل المُشرع حتى في المنظومات الوضعية، لا بد يلحظ أنها دائما تتبع الذهنيات ولا تستبقها.
مثال توضيحي هنا من واقع جزء من أمتنا الذي يخص تحريم قيادة المرأة للسيارة في المملكة العربية السعودية، هو رأي ليس مبنيا فقط على اعتقاد ضعف المرأة وفطرتها على ارتكاب المعصية إن هي تركت لنفسها، بل لأن قيادة المرأة للسيارة في حد ذاتها عامل يفضل تحررها واستغناءها عن سلطة الرجل عليها !
العقل الإسلامي الذي يرفض مجرد فتح نقاش المساواة في الإرث ويبخسها بنعتها ب"التسوية" المفروضة سواء عند الفقهاء أو المسلم العادي ويعلل ذلك بقطعية النص القرآني، هو نفسه العقل الإسلامي "الذكوري" صاحب الامتياز المالي هنا وما يترتب عليه من مكانة اجتماعية وغيرها الذي طرح الاجتهاد في المهر ويطالب به منذ الفجر الأول للإسلام .
فعلى الأقل منذ عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه و الرجل المسلم يبحث عن التخفف من هذا الإكراه المالي و الذي فيه أيضا نصوصا قرآنية: "...وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا" ثم "وآتوا النساء صَدُقاتِهن نِحلة": نحلة التي يفسرها البعض في تراثنا على أنها شريعة ودين ومذهب وما هو دين ومذهب فهو فريضة.
و جعل بعض آخر من خلالها المهر أجرا للبضع ! حتى عافته أنفس الكثيرات من بناتنا و نسائنا و ترفعن عنهن إما متنازلات أو مطالبات برمزية دنيا.
شخصيا أميل لتفسير نحلة بهدية كما يخبرنا أيضا لسان العرب حفظا لبعض الكرامة والذوق و اللياقة.
بل أكثر من ذلك تم لي معنى حديثه صلى الله عليه وسلم: "التمس ولو خاتما من حديد" للرجل الذي لا يملك شيئا يقدمه لعروسه الذي هو في حد ذاته تكليف وليس العكس.
لكن لا بد من التنويه هنا، أن للذكر مثل حظ الأنثيين ليست قاعدة مطلقة في الإرث، بل تخص الإخوة أكثر و أنه يمكن للمرأة أن ترث مثل الرجل مرات و أكثر منه أخرى على حسب قربها من صاحب/صاحبة التركة.
لأن الإسلام نظام كامل و شامل، فإن العلة في هذه الحالة كما توارثها "علماؤنا" تريد لنا أن نفهم بحسب معطيات زماننا أن الأخت تأخذ نصيبها صافيا "Net " و الأخ يأخذ نصيبه إجماليا/غير صاف "Brut" ونفقته عليها تظل واجبة.
لا يمكن أن نؤمن إيمانا حقيقيا أن الإسلام صالح لكل زمان و مكان وأن آلية الاجتهاد هي ضامنة صلاحه، لأن العقل المسلم هو المخاطب بالنص القرآني وأن معانيه تتكشف له في كل إحداثياته الزمانية والمكانية، وأن البشرية تتطور من خلال تراكماتها العلمية والمعرفية والسيرورة التاريخية ثم فجأة نعطل كل هذا.
لا يمكن أن يفتخر مقاصديونا المتنورون مثلا ب ( باب المساواة من مقاصد الشريعة لمحمد الطاهر بن عاشور ص 90) و يعطلون تفعيلها في الأحكام التي تدبر علاقاتنا المجتمعية والاجتماعية بدعوى أن هذه المطالب مستحدثة تستمد وجودها من منظومة قيمية كونية أسسها غربية لا وجود لمساواة حقيقية فيها.
إعادة النظر في أحكام الإرث قديمة قِدم المسلمين أنفسهم، عدم الفصل القانوني فيها هو الذي يفرض علينا اجترارها مرارا وتكرارا.
أذكر أنه في الدورة التكوينية التي حضرتها و التي كانت تعادل ماستر في العلوم الإسلامية والإنسانية تخصص علوم القرآن و التي كان أكبر مؤطريها الدكتور طه جابر العلواني رحمه الله رئيس المجمع الفقهي لشمال أمريكا والذي كانت قضيته تجديد الخطاب الديني، ساءلناه عن تطبيقاته لأفكاره في سياقه الاجتماعي و الحضاري، فأجابنا من خلال "فتواه" في مسألة الإرث: قال في حال وفاة زوج و كانت زوجته تساعده من مالها الخاص في تحصيل ممتلكاته وتمتلك الوثائق التي تؤكد ذلك، كنت أعطيها نصف تركة زوجها المتوفى.
أذكر أنني كنت الوحيدة التي انتفضت لرأيه وناقشته فيه، وكان رأيي أن تأخذ النصف وترث نصيبها من النصف المتبقي لأنها ساهمت في بناء التركة. كان رأيه رحمه الله أن في ذلك ظلم للورثة الآخرين.
الحس السليم في داخلي جعلني أتمسك برأيي حتى وقعت على هذه الحادثة في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه سنوات بعدها : أن عمرو بن الحارث تزوج حبيبة بنت رزق عمة عبد الله بن الأرقم، وكانت نساجة طرازة، ترقم الثياب والعمائم، وهو تاجر، وكل واحد يعمل بما عنده حتى اكتسبوا أموالا على الأصناف، فمات عمرو وترك أقرحة ( أي أراضي قاحلة) وديورا وأموالا، فرفع أولياؤه مفاتيح الخزائن، ونازعتهم حبيبة، فتخاصموا إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقضى لها بنصف المال، وبالإرث فيما تبقى.
لا بد أن د.طه جابر العلواني قد أغفل هذه القصة التي تعد في التشريع سابقة يمكن البناء عليها واكتفى بالفتوى التي جاءت في أثر فقه النوازل بالمغرب التي وضع أسسها الفقيه الشفشاوني أحمد بن الحسن بن عرضون المعروفة باسم "حق الكد والسعاية" التي لم يطرحها أحد من قبله بعد ما لاحظه من ظلم للمرأة واستغلال لها وحرمان لها من حقها في الإرث، ثم قام علماء سوس في المغرب بتداولها وتفعيلها لصالح الزوجة الفلاّحة بالقول بنصف تركة زوجها نظرا لمساهمتها بعملها في البيت والحقل بمراكمة الثروة، فتوى تخضع لمكانة العمل كعامل رئيسي في جلب الثروة كما يتصوره النظام المالي/الاقتصادي في الإسلام.
فتوى ابن عرضون هاته الشهيرة هي التي صاغها صاحب العمل الفاسي في أرجوزته قائلا:
وخدمة النساء في البوادي ** للزوج بالدرس و بالحصاد
قال ابن عرضون لهن قسمة ** على التساوي بحساب الخدمة
لكن أهل فاس فيها خالفوا ** قالوا لهم في ذلك عُرفٌ يُعرف
سوف يظل جدل المساواة في الإرث قائما ما دامت التشريعات لم تفصل فيه، وسوف يخلق لنا حوارا مجتمعيا شاملا يخص المنظومة كلها في ضوء المساواة في الحقوق والواجبات بين الرجل والمرأة من إنفاق في عموميته و مسؤوليات في الزواج و الطلاق و ما بينهما.
طبعا هو فرع من الجدل العام الذي يخص العدل والمساواة والديموقراطية في مجتمعاتنا العربية الإسلامية.
المؤيدون للمساواة بين الجنسين في الميراث بالمغرب يرون أن السياق قد تغير ويحتاج لمزيد من المراجعات والاجتهادات
الميراث ليس خطًا أحمرًا
في حوار تلفزيوني على إحدى القنوات الرسمية المغربية، دعا محمد عبد الوهاب رفيقي، رئيس مركز الميزان للوساطة والدراسات والإعلام، إلى فتح نقاش مجتمعي حول المساواة بين الجنسين في الإرث، وقال ذات المتحدث إن "ما كان يقال عن أن موضوع المساواة بين الجنسين في الإرث لا يمكن المس به والاقتراب منه هي عقلية متجاوزة"، وأن الإرث "يستحق أن يأخذ مكاناً في الحوار المجتمعي لعدة أسباب من ضمنها أن السياقات الاجتماعية التي شرعت فيها أحكام الإرث قد تغير الكثير منها، من قبيل البنية الاجتماعية والأدوار الاجتماعية للرجل والمرأة." وأن "التشريعات التي تنظم العلاقات البشرية ليس بإمكانها أن تكون ثابتة بل تتطور والأصل في كل قانون أن يكون متغيرًا تبعًا لهذه المتغيرات".
رفيقي زاد في حديثه التلفزي أنه "لا يمكن الحديث عن موضوع المساواة في الإرث بشكل مختزل وجزئي وأن يسلط الناس الضوء فقط على آية "للذكر مثل حظ الأنثيين"، مردفًا أن "الأمر أكبر من ذلك بل ما يمكن فعله هو أن يفتح نقاش في الموضوع".
وذهب في توضيحه إلى رفض "التعصيب" في الإرث، والذي يقصد به أن يأخذ الوارث كل التركة إذا لم يوجد وارث غيره أو ما بقي منها إذا وجد معه وارث بالفرض، قائلاً: "اليوم لا يجب أن نقبل بالتعصيب ويجب أن نغير مثل هذا الأمر لأن نظام الأسرة تغير كثيرًا بل حتى الصحابة والخلفاء الراشدون لهم اجتهادات كثيرة في باب الإرث لكن توقف ذلك فيما بعد لأسباب سياسية واجتماعية كانت تصب في مصلحة الرجل وليس المرأة".
الإرث قسمة من الله
رغم دعوة محمد عبد الوهاب رفيقي العلنية لفتح نقاش مجتمعي حول المساواة في الإرث وبشكل متدرج، إلا أن الأمر لم يرق لشيوخ ودعاة السلفية، إذ اعتبروا الموضوع خطًا أحمرًا، لا يناقش ولا يجادل، ولا يمكن الاجتهاد في تفاصيله، بل وتعالى غضبهم  في على منصات التواصل الاجتماعي، وثارت ثائرتهم نحو الرجل بلهجة لا تخلو من عبارات تقترب من قاموس التكفير واتهامات بالزندقة والضلال.
الشيخ عبدالله النهاري، قال في مقطع  مصور، إن "النصوص ثابثة لا يجوز أبدًا أن يتعداها الإنسان"، وزاد في حديثه، في نبرة صوت لم تخل من الحنق والغضب: "الإرث قسمه الله، والآن جئتم أنتم، تستدركون، وتزعمون أن هؤلاء لم يفهموا القرآن وتتحدثون عن التغيرات كأن الله لم يكن عالمًا".
أما الشيخ عمر الحدوشي، فاعتبر مسألة الإرث "أمرًا مفروغًا منه تمامًا مثل عدد الركعات، لأن ربنا تعالى هو الذي تولى قسمة التركة، وتوزيع الأنصبة الشرعية في الميراث، ولم يجعل أمرها في يد عالم من العلماء، مهما بلغ كعبه في أنواع العلوم، بل ولا جعل ذلك في يد الأنبياء والمرسلين"، وخاطب الشيخ عمر الحدوشي في سطوره على موقع فيسبوك الداعية محمد رفيقي، بأسلوب غير مباشر، واصفًا إياه بأنه من "المتمسحين والمتزلجين على ثلج النفاق، من الإمعات الذين يخطبون ود الملحدين"، ووصفه بـ"المتلون".
الرافضون للمساواة في الميراث مغربيًا يمسكون بالنصوص القرآنية بشكل حرفي، ويرون أن الإرث خط أحمر لا يجادل، ولا يمكن المساس به
الشيخ محمد زحل من جهته صرح في مقطع مصور، أن "محمد عبد الوهاب رفيقي وقع فريسة للشيطان"، مخاطبًا إياه بالقول: "صرت تستعلي على ربك وتتحداه وتصحح كلامه، العجب كل العجب، يريد أن يصحح كلام الله ويعترض على كلام الله؟ وهو لا يأتي في ذلك بعلم وأنا له بالعلم، وإنما يتلقف مقولات العلمانيين ويرددها".
وفي الوقت الذي عبر فيه هؤلاء الشيوخ عن رفضهم لمبدأ المساواة في الإرث، أعرب مصطفى بنحمزة، عضو المجلس العلمي الأعلى، (مؤسسة رسمية مختصة بالإفتاء وقضايا الدين)عن قبوله لمسألة طرح نقاش مفتوح حول هذه القضية، مؤكدًا أن في كل القضايا هناك لغة الحوار والتشارك، لكن وفي الوقت ذاته، رفض التفسيرات التي تنص على أن المرأة يجب أن يكون لها نفس إرث الرجل، بصفتها شخصًا مساهمًا في الحياة الاقتصادية، معتبرًا أن من يقدمون هذه التأويلات "لا دراية لهم بالإرث"، وفسر الأمر على أن "الإرث ليس شركة تجارية، بل يستحقه المستحق بمجرد أن يخرج إلى الحياة".
من جهتها، قرّرت رابطة علماء المغرب العربي إقالة وإبعاد محمد عبد الوهاب رفيقي، بسبب ما سمته الرابطة بـ"التجاوزات المنهجية المتكررة والخلل الفكري والاضطراب العقدي" وأفادت الرابطة في بيان، اطلع عليه "الترا صوت"، أنها صادقت على هذا القرار بعد ما سمته "إصرار" محمد رفيقي  و"استعلاؤه في الحوار وفي تصريحاته الإعلامية المثيرة"، وبعد "النصح المتكرر والنقاشات العلمية الهادئة من الكثير من العلماء والدعاة من أعضاء هذه الرابطة وغيرها معه".
وكان محمد عبد الوهاب رفيقي، الملقب بـ"أبي الحفص"، ذو التوجه السلفي سابقًا، قد دخل أسوار الاعتقال بسبب أفكاره المتشددة إثر اعتداءات عام 2003 بالدار البيضاء، لكنه قام بمراجعات فكرية جذرية بعد الإفراج عنه، ويوصف حاليًا لدى علمانيي المغرب بـ"المتنور" و"الإصلاحي" بسبب دعوته العلنية للاجتهاد والتجديد في النصوص الدينية وملاءمَتِها مع المتغيرات السياسية والاجتماعية والثقافية بالبلد.

المساواة في الإرث و تواطؤ المؤسسات ضد إرادة الشعب

يا معشر المغاربة! هدوء من فضلكم!. إن تعديل قانون الإرث لم يعد حلما للبعض أو كابوسا للآخرين، إنها حقيقة موقوفة التنفيذ! لا تشككوا أبدا في صعوبة تنزيلها و لو على مجتمع مسلم كمجتمعنا !. إنها فقط حلقة من مسلسل تعديلات بدأت من تعديل قانون الأحوال الشخصية و ستنتهي بتشريع زواج المثليين إن شاء الله. أشفق على بعض الغيورين الذين يدافعون عن الهوية المغربية و يبذلون قصارى جهدهم لمعارضة هذا المسلسل و يطالبون بوقفه، لكنهم يسقطون في فخ المساهمة في النقاشات العمومية مع من تم الدفع بهم للعب دور المدافع عن حقوق الإنسان و المرأة .
مقالتي هذه قد تكون مجرد مضيعة للوقت للذين سبقوا أن فهموا و اقتنعوا بحتمية هذه التعديلات و الخطة التي تتبعها الجهات الساهرة على صياغتها و تمريرها. فلطالما استخدمت الدولة نفس الخطة و نفس الحيل لتمرير قوانين اجتماعية رغم المعارضة القوية لكل فئات المجتمع، لكنها الآن أصبحت واقعا ثابتا كمدونة الأسرة و قانون العنف ضد النساء. بالنسبة للنقاش الذي نزل علينا بقوة قادر هذه الأيام حول إمكانية تعديل قانوني من أجل مساواة المرأة و الرجل في الإرث، سيبدو للبعض أنه مجرد جدال فرجوي و استعراض للعضلات بين بعض العلمانيين و بعض (الفقهاء) على قنوات اليوتوب، و لا يمكن أبدا لحكومة ذات مرجعية إسلامية أن تقوم بتعديل كهذا يمس صراحة بثوابت الدين الإسلامي. لكن الصدمة آتية لا محالة و يجب الاستعداد لها و تقبلها من الآن. من السهل على الدولة تمرير هذه القوانين ما دامت الأحزاب و النقابات و جمعيات المجتمع المدني و الحكومة و الدولة و كل التنظيمات لا تعارض مثل هذه التعديلات إلا الشعب!. أليس هذا حيفا في حقه؟. بالتأكيد نعم، لكن السياسة هي هكذا للأسف لا تعترف إلا بالتنظيمات.
حاولت فهم هذا الحيف و التناقض بين إرادة المجتمع و ما يتم إقراره كل مرة من قوانين من طرف الدولة. و بعد تكرار نفس الخطة مع كل مناسبة لتعديل قانون يخص الأسرة، أصبح الأمر الآن جليا و واضحا و سوف أوضح أكثر للذين استعصى عليهم فهم الخطوات المتبعة من طرف أصحاب القرار.
الخطوة الأولى: تعمد نشر تصريحات شاذة و صادمة لبعض الوجوه الإعلامية (سياسيون، فنانون، مدونون على الانترنت..الخ) عبر القنوات العمومية لخلق الصدمة الأولية و نشر الاحتقان داخل الأوساط الاجتماعية، و ذلك لهدفين اثنين: أولا، جس نبض المجتمع. و ثانيا، الدفع ببعض المتطرفين للرد الشفوي أو حتى التهديد الجسدي المباشر ضد المدافعين عن هذه التعديلات، و بالتالي إعطاء جزء من المصداقية الوهمية لهؤلاء و شيطنة كل معارض للقانون المنتظر.
الخطوة الثانية : التدخل الفعلي للدولة كحكم وهمي في صراع وهمي و محاولة إقناع الكل بوجود خلاف جدي حول ظاهرة مجتمعية خطيرة، تتطلب خلق حوار و نقاش وطني حول ذلك. و الحقيقة أن المجتمع و المرأة بالخصوص لم تطلب قوانين لتطليق نفسها (مدونة الأسرة) أو إرسال عشيقها أو زوجها أو طليقها للسجن بسبب خلافات ثنائية عادية مع شريكها تفضل حلها وديا لتجنب العواقب الكارثية لتدخل القضاء على العلاقة بين الطرفين و الأبناء. و الملاحظة الواضحة التي تورط هذه الجهات الإعلامية في هذه المؤامرة على هوية شعب بأكمله، هو طبيعة موائد الحوار التي تقيمها، حيث يتم عمدا إما تغييب أصحاب الرأي الآخر، أو حتى إذا ما تم استدعاء بعضهم، يتم الاقتصار على ذوي قدرات فكرية و تواصلية ضعيفة أو من يمثلون تيارا متطرفا لشيطنة المدافعين عن رأي غالبية المجتمع. و في الجهة المقابلة، تتم استضافة قياديات في الحركة النسائية و صاحبات خبرة طويلة في الجدال و الحوارات التلفزيونية. كما أصبحنا نلاحظ  في الآونة الأخيرة وجود بعض العلمانيين المحسوبين إعلاميا على التيار الإسلامي (أبو حفص نموذجا) لإضفاء شرعية دينية على قوانين وضعية.
الخطوة الثالثةو هي التهدئة المؤقتة و التي تترك المجال و الوقت للعلمانيين و الجمعيات النسائية لإعداد و تنفيذ بعض الأنشطة (النضالية) بالتنسيق الجيد مع مموليها الذين فضحهم الشوباني و انتقموا منه بطريقتهم و أخرجوه من الحكومة. في هذه المرحلة يتم الإعداد النفسي للمجتمع و ترهيبه في نفس الوقت عبر اقتناص فرص وقوع بعض الأحداث المعزولة ( انتحار، اغتصاب، جريمة قتل امرأة )، و استدعاء وسائل الإعلام المتواطئة لتغطية و صب الزيت على النار و فتح الأفواه في وقفات أمام البرلمان لوجوه معدودة و مألوفة، و تجريم و ترهيب كل من عبر على رأي مخالف بتهمة التحريض و الإشادة بعمل إجرامي.
الخطوة الثالثةالحملة الوطنية لـ…المرأة. تنتظر الدولة المناسبة و التوقيت الجيد كالعيد الأممي للمرأة أو فضائح إعلامية عالمية تورطت فيها شخصيات مشهورة بالاعتداء على إحدى بائعات الهوى بإحدى الحانات، و ذلك لبدء حملة إعلامية شرسة تفوق الشهرين من الوصلات و الريبورتاجات و الأفلام و الحوارات التلفزيونية الموجهة لحد التخمة التي يشعر أثنائها المواطن أن كل مشاكل المغرب قد تم حلها و لم يتبقى سوى إقرار هذا القانون الذي طال انتظاره.
الخطوة الأخيرة: الإقرار الرسمي للقانون الغريب على الأمة عبر إجماع نواب الأمة و تنويه الأمم المتحدة بالإنجاز العظيم.
و هكذا ينتهي هذا الفيلم بقتل الثلاثي المؤسساتي المنظم لإرادة أفراد شعب: المنظمات الدولية ككاتبة سيناريو، الجمعيات النسائية كممثلة أدوار و الدولة كمخرج منفذ لم يقتنع بالسيناريو.

ردا على “نداء المناصفة في الميراث”..سلفيون يطلقون “نداء المحافظة على شرع الله
أطلقت رموز سلفية، اليوم الجمعة، عارضة إلكترونية للمطالبة بـ”الحفاظ على الميراث كما شرعه الله”، ردا على العارضة، التي أطلقت، قبل أيام قليلة، وطالب فيها أزيد من مائة مثقف بفتح نقاش نحو المناصف بين الرجال، والنساء في الميراث.
وطالب الموقعون على النداء المنشور على موقع “أفاز”، بالمحافظة على التشريعات القانونية، التي يعتمدها المغرب، بما يتماشى مع النص القرآني المؤسس لقواعد الإرث في الإسلام، وقطعيته، حيث قارب عدد الموقعين على العارضة الجديدة الألف، مع حلول، ظهر اليوم.
ويضيف الواقفون وراء هذه الدعوة الجديدة أن مبادرتهم جاءت بعد إقدام مجموعة من الفاعلين المغاربة، رجالا ونساء، من بينهم كتاب وجامعيون وفنانون وباحثون في التراث الإسلامي، ونشطاء في المجتمع المدني، ومنخرطون في الدفاع عن حقوق الإنسان، على إطلاق نداء موقع بلائحة أولية، يطالب بإلغاء قاعدة الإرث المعروفة بالتعصيب، وهي قاعدة مثبتة في مدونة الأسرة، تفرض على الوارثات، اللائي ليس لهن أخ ذكر، اقتسام ممتلكاتهن مع الأقرباء الذكور للأب المتوفى، ولو كانوا أبعدين.
وعاد النقاش حول الإرث إلى الواجهة بشدة،خلال الأسبوع الماضي، بعد خروج الباحثة أسماء المرابط بدعوة صريحة لتدخل ملكي في قضية المساواة في
وقالت البقالي ان منتدى الزهراء سجل أن أغلب الحالات التي تطرح إشكالات على مستوى ما يقع في الإرث ناتجة عن عدم تدبير الأموال أثناء الزواج بشكل منصف، لا يراعي مساهمة المرأة في الثروة وأن غياب تدبير عادل يؤدي إلى ضياع الحقوق المطلب الثالث:المساواة في الإرث بالمغرب.. حق أساسي للمرأة أم ضرب لهويّة المجتمع؟

الرباط، المغرب (CNN)— يعيش المغرب خلال هذه الأيام على وقع تقاطب حاد بعد دعوة المجلس الوطني لحقوق الإنسان، وهو مؤسسة وطنية مستقلة عن الحكومة، إلى المساواة بين الرجال والنساء على مستوى الإرث، الأمر الذي اعتُبر سابقة من نوعها نظرًا لأن الجهة التي دعت إلى ذلك، هي منظمة استشارية أنشأتها الدولة لحماية حقوق الإنسان، ونظرًا لأن المغرب لا يزال يعمل بقوانين الشريعة الإسلامية في نظام الإرث، ومن ذلك ما يكفل للرجل ضعف ما يخصّص للمرأة.
ورغم أن النقاش حول المساواة بين المرأة والرجل ليس جديدًا في المغرب، وترجع بعض فصوله إلى ما كان يُعرف بـ"خطة إدماج المرأة في التنمية" قبل 15 عامًا عندما حدث انقسام في الشارع بين الحداثيين والإسلاميين على هذا المفهوم، إلّا أن التقرير الذي أصدره المجلس المغربي هذا الأسبوع أعاد النقاش من جديد إلى الواجهة، وذلك في بلد يحثّ دستوره على السعي إلى المناصفة بين الرجال والنساء، كما يؤكد كذلك أن الإسلام هو دين الدولة.
المركز المغربي لحقوق الإنسان، منظمة ديمقراطية مستقلة، انتقد بشكل كبير هذه الدعوة، معتبرًا أن الدستور لم يستهدف المساواة بين المرأة والرجل بمنطق القطع مع الشريعة الإسلامية، وأن الإرث يرتبط بالمنظومة الأسرية والاجتماعية لدى أمة المسلمين، كما أن الرجل مجبر على تحمل مسؤولية أعباء الإنفاق، مطالبًا في بيان له بإعادة النظر في تركيبة المجلس الوطني لحقوق الإنسان، حتى لا يصير حكرًا على تيار إديولوجي معين.
الشيخ محمد الفزازي، أحد الوجوه الإسلامية المعروفة بالمغرب، ندّد بهذه الدعوة، ووصفها في تصريحات لـCNN بالعربية بـ"وصمة عار" على من أطلقها، معتبرًا أنها "اعتداء على الله وعلى ثوابت الدين الإسلامي، وتعطي الفرصة للإرهاب وللغلو في الدين أن يظهرا ردًا عليها"، مبرزًا أن "المجتمع المغربي آمن ومستقر ولديه مؤسسات خاصة بالإفتاء في الدين، ولا يحتاج لمثل هذه الدعوات التي تحاول تخريب الدين".
وأضاف الفزازي" الإرث يمسّ الأسرة والإخلال به إخلال بها، ولا يمكن أن نجهز على ما تبقى من أحكام الإسلام بمبرّر أننا لم نعد نطبق الشريعة"، متابعًا: " من يقول إن الظروف تغيّرت وإن المرأة أضحت تعمل جاهل بالتاريخ، فالمرأة كانت تشارك على الدوام في الجهاد والتجارة والعلم والحديث والدراسة والتعليم وزرع الحقول ومع ذلك لم تخرج هذه الدعوات، فالمسألة مسألة إيمان بشرع الله وعلمه وأحكامه".
بيدَ أنه في الجانب الآخر، دافع ناس كثر عن دعوة المجلس، ومنهم جمعية أنفاس الديمقراطية، التي قالت إن تقرير المجلس يعدّ بمثابة "انتصار من داخل مؤسسة دستورية رسمية لما ناضلت من أجله الحركة النسائية والحقوقية"، مبرزة في بيان لها أن المساواة الفعلية بين الجنسين أضحت "ضرورة حقوقية واقتصادية وتجسيدًا للواقع الاجتماعي المعاش".
فوزية عسولي، رئيسة فيدرالية الرابطة الديمقراطية لحقوق المرأة، تستغرب وقوع كل هذه الضجة على دعوة مؤسسة استشارية حقوقية، بما أن ذلك يدخل في صميم عملها، معتبرة أن من يحلّل الواقع المغربي سيدرك ضرورة تعديل قانون الإرث: "هناك أسر شُرّدت، هناك نساء عملن طول حياتهن رفقة أزواجهن لأجل شراء سكن وعندما توفي الزوج احتل إخوانه جزءًا مهمًا من السكن، هناك نساء أعلن أسرًا بكاملها وفي النهاية رُمين إلى الشارع أو إلى دور العجزة".
وتضيف عسولي لـCNN بالعربية: "أحكام الإرث في الإسلام حكمها العدل وليس التمييز، لأن النساء كن في بدايات الإسلام يعشن في نظام عشائري تحت إمرة الرجال، بينما تغيّر الأمر حاليًا بعد ظهور الأسر النووية التي تنشأ بتعاون الرجل والمرأة وبتراجع فكرة تحمل الرجل لوحده مسؤولية مصاريف العائلة"، متابعة:" من يرفض المساواة في الإرث يسوّق صورة ظالمة للإسلام، فالعدل هو جوهر الدين، والإسلام كان دائمًا مفتوحًا على الاجتهاد بما يتناسب مع المصالح العليا للمجتمع".
جدير بالذكر أنه رغم مصادقة مجلس النواب المغربي مؤخرًا على البروتوكول الاختياري لاتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، ورغم أن مدونة الأسرة المغربية جرى تعديلها قبل سنوات بما تناسب مع عدد من المطالب الحقوقية، إلّا أن ناشطات الحركات النسائية المغربية لا زلن يطالبن بحقوق أكبر، ومن ذلك رفع كل أشكال التجريم عن الإجهاض، والمساواة الكاملة في الإرث، ومنع التعدد بشكل تام، وتحقيق المناصفة في المناصب السياسية.
المساواة في الإرث نحو تجاوز العوائق الابستيمو
بادرت تونس مؤخرا إلى إقرار قانون المساواة في الإرث، ما خلف جدلا كبيرا في البلدان ذات الأغلبية المسلمة، ولدى المؤسسات الدينية. جدال لم يكن وليد اليوم، إذ اشتعلت جذوته منذ عقود في عدد من البلدان. والمغرب بدوره لم يشذ عن هذا الوضع إذ تعالت الأصوات منذ الخمسينيات داعية إلى مراجعة قوانين الإرث. واليوم في ظل التحولات المتسارعة التي يعرفها المجتمع المغربي، وفي ظل النقاش الذي عاد من جديد حول الموضوع، وإسهاما فيه، ومحاولة للإحاطة بإشكالياته ومقاربته من زواياه المتعددة، نبدأ في نشر سلسلة مقالات حول الموضوع على موقع لوديسك
تعتبر محاولة مقاربة المساواة في الإرث محفوفة بمخاطر عدة، وذلك بسبب تعقد مستويات وزوايا النظر إلى الموضوع، ما جعل منه موضوعا إشكاليا بامتياز، زادت من حدته التموقعات والقوالب الجاهزة والتقاطبات التي يفرضها أو يفترضها النقاش حوله، هذا الأخير الذي كثيرا ما ينزلق ليصبح نوعا من “البولميك”  أو السجال، الذي يرتكز على إبطال حجة الخصوم ودحضها، والدخول في الردود والردود المضادة، أكثر من الانشغال بالبرهنة على حقيقة، أو التأسيس لنوع من المعرفة، أو الاهتمام بالسياقات والاشكاليات الحقيقية، ما يجعل النقاش في أحيان كثيرة يدور حول أسئلة مزيفة ومنطلقات ونتائج خاطئة، لا تؤسس لفعل معرفي قدر تأسيسها لتقاطبات ايديولوجية ما تلبث أن تخمد حتى تشتعل من جديد.

يمكن في هذا السياق، أن نأخذ كنموذج لهذه التقاطبات ذاك النقاش الحاد الذي أعقب إصدار المجلس الوطني لحقوق الإنسان بالمغرب لتقرير حول وضعية المناصفة في 19 أكتوبر 2015، وضمنه توصية حول المساواة في الإرث، والتي قال في إحداها بضرورة تفعيل المادة 16 من اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، من خلال تعديل مدونة الأسرة والمساواة في مجموعة من الحقوق ومن بينها الإرث.

لقد أثارت هذه التوصية بالضبط ضجة كبيرة، رغم ورودها من بين 96 توصية أخرى تضمنها التقرير، وتسببت في توتر بين عدد من مؤسسات الدولة، إذ سيخرج رئيس الحكومة آنذاك لانتقاد التوصية، بل ومطالبة المجلس الوطني لحقوق الانسان بالاعتذار للشعب المغربي، في حين انهمرت أقلام عديدة ضد التوصية تمادى بعضهم في إلصاق الاتهامات بهذه المؤسسة، وصل أحدها إلى اتهامه بأنه يحاول من خلال توصيته تغيير طبيعة بنية النظام السياسي في المغرب، إذ ومن خلال هذه التوصية سيصبح من حق الإناث وراثة الحكم، وهو ما يمس جوهر نظام الحكم في المغرب !؟ أما آخرون، فقد ذهبوا إلى أنه ليس من صلاحية المجلس الوطني لحقوق الانسان إصدار هذه التوصية لأنها تتنافى مع اختصاصاته، هذا عدا عن مقالات مهيجة انتشرت في المواقع والجرائد الالكترونية والورقية، ودعاوى تكفير “بشكل غير مباشر”  صدرت عن بعض الشيوخ.

لقد تناسى متهمي المجلس الوطني لحقوق الإنسان بسعيه إلى التغيير من طبيعة بنية النظام السياسي، أنه ثمة فرق شاسع بين الإرث وبين الإمامة، وإلى أن ولاية العهد لا تنطبق عليها أحكام الميراث، وأنه لا قياس مع وجود الفارق طبقا للقاعدة الشهيرة، وإلى أن ولاية العهد مرتبطة بالبكورية في السن، مع إمكانية اختيار الملك لولي العهد من غير ابنه البكر.

أما من اعتبروا أنه ليس من اختصاص المجلس التوصية بتعديل قوانين الإرث فقد تجاهلوا المادة 13 من ظهير تأسيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان، والتي ورد فيها بالحرف “يتولى المجلس بحث ودراسة ملاءمة النصوص التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل مع المعاهدات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان وبالقانون الدولي الإنساني، التي صادقت عليها المملكة أو انضمت إليها، وكذا في ضوء الملاحظات الختامية، والتوصيات الصادرة عن أجهزة المعاهدات الأممية الخاصة بالتقارير المقدمة لها من لدن الحكومة.

يقترح المجلس كل توصية يراها مناسبة في هذا الشأن، ويرفعها إلى السلطات الحكومية المختصة.”  وهذا ما يعني أن المجلس لم يمارس سوى اختصاصاته القانونية، وأن التقرير او التوصية محط الجدل كان في صلب اختصاصاته.

في المقابل، لماذا يتم التركيز على قضية المساواة بين الرجل والمرأة في الإرث، على الرغم من أن قوانين الإرث تعرف مجموعة من الإشكالات لا تقل أهمية عن إشكالية المساواة؟ ومنها على الخصوص التوارث بين المسلم وغير المسلم، ووراثة الأبناء من العلاقات الجنسية خارج مؤسسة الزواج، وغيرها من القضايا التي ستصبح إشكاليات حقيقية إن لم تتم معالجتها من خلال مقاربة جريئة واستباقية.

ثم ألا يعد طرح موضوع المساواة في الإرث بين الرجل والمرأة هروبا إلى الأمام وتهربا من طرح إشكالية الثروة وتوزيعها؟ الذي يعد أكثر حدة وأهمية من المساواة بين الرجل والمرأة في الإرث؟ ثم ألا يرتبط الأمر ببنى وأنساق اجتماعية لا يسهل تغييرها بالقوانين الوضعية والخضوع لمنظومة قيم كونية لا تتلاءم مع الخصوصيات الثقافية والدينية للمجتمع، بل تكاد أن تكون نبتا غريبا عنه؟

يكشف هذا النقاش المحتدم عن عوائق ابستيمولوجية ترتبط بمنطلقات كل طرف، كان من تداعياتها أن جعلت موضوع المساواة في الإرث يدور في حلقة مفرغة، إذ أن كل فريق في واد يصيح بمعزل عن الآخر، لا يلتقيان إلا في تبادل الاتهامات والتصنيفات الجاهزة. كما تماهى فيها المعرفي بالايديولوجي بالتاريخي بالفقهي، وصار يصعب النظر إلى الموضوع في سيرورة تشكله التاريخية والابستمولوجية لا في صيرورته الايديولوجية.

عوائق ابستيمولوجية تجعل من الملح والضروري فتح النقاش من جديد وفق مقاربات جديدة، بمعزل عن التقاطبات الأيديولوجية والقوالب الجاهزة والتصنيفات التقليدية، والبحث عن رؤى جديدة، لا بمنطق التوفيق، لأن “كل توفيق تلفيق” ، ولكن وفق منطق الكشف عن المستويات المتعددة التي ترتبط بالموضوع والكشف عن تداخلاتها وتمثلاتها، وقراءتها وفق سيرورة تشكلها التاريخية، في أفق تجاوز العوائق الابستيمولوجية.

في هذا السياق إذا تدخل سلسلة المقالات حول الموضوع التي ننطلق في نشرها على الموقع، في أفق تعميق النقاش بشكل أكثر هدوءا، قريبا من المعرفة بعيدا عن التقاطبات الأيديولوجية، وبحثا عن تجاوز العوائق الابستيمولوجية والكشف عنها وعن الأسئلة المزيفة التي تموهها.
في المغرب

1-               سلفيو المغرب يرفضون بحزم

بلغ الظامر بسلفي المغرب إلى حد التهجم الكلامي على المعارضين الذين يطالبون بمساواة الإناث بالذكور في الإرث وخاصة على الأستاذة المرابط العضو السابق في الرابطة المحمدية للعلماء:
«إن وجود أمثال هذه المنحرفة عن الشرع الجاهلة بأحكامه لا محل له من الإعراب ضمن مؤسسة علمية كبيرة، بل بقاؤها يفقد المؤسسة مصداقيتها وثقة الناس فيها»، هكذا هاجم أحد رموز التيار السلفي بالمغرب الشيخ (حسن الكتاني) رئيسة مركز الدراسات والبحوث في القضايا النسائية في الإسلام (أسماء المرابط) على إثر مناداتها بالمساواة بالميراث بين الرجال والنساء.

2-            قضايا الإرث بين التسيب والاجتهاد
أثيرت وتثار قضايا الإرث في المغرب، مرة بعد أخرى، مرة بشكل فردي وشخصي من قبل بعض المعارضين لمقررات الإرث، ومرة بشكل جماعي، وفي الآونة الأخيرة، صدرت عريضة موقعة من قبل مائة شخصية وُصفت بـ"الوازنة"، تدعو إلى إلغاء التوريث بالتعصيب، بناء على مسوغات سننظر فيها أدناه.
لعل من نافل القول، التأكيد على أن الساحة العلمائية تعرف خمولا وكسلا فكريا، مما يورث فراغا في الساحة الثقافية. وهذا ما يحفز بعض غير المتخصصين لاقتحام العقبة، وخوض غمار "الاجتهاد" و"التجديد"، لتكسير الطابوهات، وخرق المسلّمات. وهو ما يستتبع حربا غوغائية في الساحة الإعلامية، بالردود والردود على الردود، مع تسلح المتحمسين من الطرفين بالسب والشتم والتنقيص من المخالف، وهذا ما لا يجوز في ميدان المناظرة. ولو تحمل العلماء مسؤوليتهم في التفكير والاجتهاد والإبداع، لما ورّطوا المجتمع في مثل هذه الغوغائيات المرفوضة عقلا وسمعا.
وسأتناول ما أثير مؤخرا وما لم يثر من قضايا الإرث في هذه العجالة، وفق نقاط متفرقة.
الأولى : فلسفة الإرث في الإسلام
ميّز المسلمون بين فقه الإرث وفلسفة الإرث، فركزوا على الأول وأبدعوا فيه واختلفوا حول قضاياه، لكنهم أغفلوا فلسفة الإرث التي تنبني عليها تلك الأحكام والفروع. وكان حريا بعلمائنا أن يصدّروا كتب الفرائض بالأرضية الفلسفية للإرث ابتداء، ثم الانتقال إلى فقهه ثانيا.
بالنظر في المنظور الإسلامي للمال، نجده فرعا من أصل، وجزءا من كل، وهو مبدأ الاستخلاف في الكون، فالله تعالى جعل الإنسان خليفة في الأرض، وبما أن المال بكل أنواعه جزءا من الأرض، فإن الإنسان مستخلف في المال ضرورةً، لذا قال عز وجل : "آمنوا بالله ورسوله وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه"، ولم يقل جل وعز : وأنفقوا من أموالكم، أو : أنفقوا من ممتلكاتكم، أو غيرها من العبارات. ولم ينسب المال للإنسان حقيقةً، بل جعله مجرد مستخلف فيه. مما يعني أن التصرف المستقل في المال هو لمالكه حقيقةً، وهو الله تعالى، لذا يتدخل بأحكامه الحكيمة في الأموال، فيفرض الزكاة، ويحرم معاملات بعينها، ويبيح أخرى. ولو كانت للإنسان الملكية التامة للمال، لكانت عنده الحرية المطلقة في التصرف فيه، ولمَا تدخل الله تعالى فيه بإيجاب زكاة أو ترغيبٍ في صدقة أو غيرهما.
وهذه النظرة الإسلامية للمال، تخالفها النظرة الأخرى، وهي النظرة القارونية التي لا تؤمن بالاستخلاف، قال تعالى عنه : "وآتيناه من الكنوز ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولي القوة"، وفي هذه الآية تنصيص على أن الله تعالى هو الذي آتاه المال والكنوز، لكن قارون أنكر هذا الإتيان الإلهي، وزعم أنه - باستقلال تام ومطلق - حصل على تلك الأموال، فقال : "إنما أوتيته على علم عندي"، وأنْ لا دخل لله تعالى في ثروته.
من هنا، يقف الناس عبر العصور مع المال وفق تصورين : مبدأ قارون، ومبدأ الاستخلاف.
ومن لم يفهم مبدأ الاستخلاف، ولم يستوعب قضاياه، سيحتج على منح الأنثى نصف الذكر، وسيحتج على التعصيب، ولن يتوقف احتجاجه واستنكاره. ومن أدرك فلسفة الاستخلاف، يستقبل أحكام الله في توزيع التركة مسلِّما ومستسلما، راضيا بها، مطمئنا لفروضها.
ثانيا : قطعيات الإرث وضرورة الطاعة والوفاء
ذكر الله تعالى في محكم كتابه قضايا الإرث في ثلاث آيات من سورة النساء. اثنتان في بدايتها، وختم السورة بالثالثة، واستعمل فيها ألفاظ وعبارات يجب على المسلم أن يتوقف عندها، ويستوعب مدلولها ومعناها.
افتتح الله تعالى المواريث بقوله تعالى : "يوصيكم الله" وختم حالات إرث الإخوة لأم بقوله تعالى : "وصية من الله". ووصف أنصبة الورثة المذكورة في النص بكونها "نصيبا مفروضا"، وختم حالات الوالدين بقوله تعالى : "فريضة من الله"، وختم هذه الحالات كلها بقوله : "تلك حدود الله". وافتتح حالات الإخوة في آخر السورة بقوله تعالى : "قل الله يفتيكم". وختمها بقوله تعالى : "يبين الله لكم أن تضلوا"، وبالتأمل في هذه العبارات ومعانيها، نفهم بما لا مجال للشك فيه، أن الأحكام القطعية المتضمنة في هذه الآيات هي أنصبة مفروضة من الله، ووصية الله، وفريضة الله، وحدود الله، وفتوى الله، وبيان الله. عزّ الله، جلّ الله.
وقد يتذرع البعض لإدخال بعض التغييرات في أحكام الإرث القطعية، كالتسوية بين الابن والبنت، بدعوى تغيرات الظروف والأحوال من عهد النبي صلى الله عليه وسلم إلى عصرنا، وقد علم الله تعالى في سابق علمه وقوع هذه التغيرات، وعلم الله تعالى في سابق علمه صدور هذه الذرائع من أهل عصرنا، ولعل ذلك هو السبب في التركيز على صفة العلم الإلهي في آيات المواريث، فقال تعالى في ختام حالات الأولاد والوالدين : "إن الله كان عليما حكيما"، وقال تعالى في ختام حالات الزوجين والإخوة لأم : "والله عليم حليم"، وختم حالات إرث الإخوة بقوله جل وعز : "والله بكل شيء عليم". وهذا التكرار والتأكيد لصفة العلم الإلهي في هذا السياق، لا أرى له موجبا إلا لينبهنا إلى أنه سبحانه يعلم ما سيقع من متغيرات في الظروف الاجتماعية، ورغم ذلك، لم يترك بعض الأحكام لاجتهادنا، بل نص عليها بالنصيب المفروض القطعي.
وقد سبق في علم الله تعالى أن هذه الأحكام قد يتمرد عليها، أو قد يخالفها عمدا لا سهوا بعض المكلفين، فختم الآيتين من سورة النساء بوعد ووعيد، فقال في الوعد : "ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات ... وذلك الفوز العظيم"، وقال في الوعيد : "ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده ندخله نارا خالدا فيها، وله عذاب مهين".
وبعد ختم سورة النساء بأحكام وأنصبة الإخوة، افتتح الله تعالى مباشرة سورة المائدة بقوله تعالى : "يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود، أحلت لكم بهيمة الانعام إلا ما يتلى عليكم ..."، وغني عن البيان، أن القرآن الكريم محكم الآيات، لذا اجتهد العلماء في إثبات التناسب بين السور والآيات، وإذا تأملنا آية سورة المائدة التي تأمر بالوفاء بالعقود، فإننا لم نجد قبلها ولا بعدها كلاما عن العقود المعروفة، كالبيع والكراء والإجارة ...، بل هي مسبوقة بأحكام المواريث، ومتبوعة بأحكام بهائم الأنعام، وهذا يدل على أن تلك الأحكام هي بمثابة عقود بين الإنسان وربه، يجب عليه الوفاء بها. وهذه النكتة لم أجدها مذكورة في كتاب، ولم أجد من التفت إليها من العلماء الأعلام، فإن تبين صوابها فهي تفضل من المولى الوهاب، وإن كانت خطأ فمن تسرعنا وقلة فهمنا. وهذا طبع الإنسان.
ثالثا : ضرورة الاجتهاد
إذا تجاوزنا ما ورد من القطعيات الفرَضية في الكتاب والسنة، فإن كثيرا من أحكام الإرث مندرجة ضمن الظنيات، التي يجوز الاجتهاد فيها، ويجوز الاختلاف حولها بين أهل العلم والشأن.
وإذا لم يكن من بدٍّ للاجتهاد في مجال الإرث، فإنني أدعو إلى الاجتهاد انطلاقا من نقطتين اثنتين :
أ – الاجتهاد من أجل العودة بأحكام الإرث إلى القرآن :
مما يعرفه كثير من المختصين، أن بعض أحكام الإرث المعمول بها هي من اجتهادات علمائنا الأقدمين، أو من اجتهادات الصحابة رضي الله عنهم، ومعلوم أن اجتهاداتهم غير المجمع عليها لا ترتقي إلى درجة الحجية والقطع، وهنا أسوق أمثلة تبين بعض اجتهاداتهم التي تبتعد بالحكم المعمول به عن القرآن ذاته.
المثال الأول : إذا مات رجل وترك زوجة وأما وأبا، فللزوجة الربع (12/3)، وللأم الثلث(12/4)، وللأب الباقي (12/5).
المثال الثاني : إذا ماتت امرأة، وتركت زوجا وأما وأبا، فللزوج النصف (6/3)، وللأم الثلث (6/2)، وللأب الباقي (6/1).
من خلال هذين المثالين، يتبين أن الأم ترث بنص القرآن ضعف الأب في المثال الثاني، والأب يرث أكثر منها بقليل في المثال الأول، وهذا التقسيم الفرَضي، تشبث به ابن عباس رضي الله عنهما، وأفتى بأخذ الأم نصيبها القرآني ولو كان أفضل من الأب/الذكر، أما زيد بن ثابت رضي الله عنه، فاجتهد بخلاف القرآن، ولم يستسغ حصول الأم/الأنثى نصيبا أفضلَ من نصيب الأب/الذكر، فأعطاها ثلث الباقي، وهو غير موجود في القرآن. وقال ابن مسعود : "ما كان الله ليراني أُفضل أمّاً على أب". وهذا قول غير صحيح، وهو من الصحابة رضوان الله عليهم من باب الخطأ مع قصد الحق.
وأفضلية الرجل على المرأة ليست من القواعد المقطوع بها، والتي تخول للمجتهد الاعتماد عليها في تأويل النص وتفسيره، وقد رد ابن حزم على ابن مسعود رضي الله عنه ومن تبنى رأيه، وبيّن بالدليل أفضلية الأم على الأب، من حديث حُسْن الصحبة، حيث أجاب النبي صلى الله عليه وسلم السائلَ فقال : أمك، ثم أمك، ثم أمك، ثم أبوك. ثم بيّن بالدليل القرآني تسوية الله تعالى بين الأب والأم في 6/1 عند وجود الولد، ثم تساءل : "فمن أين تمنعون من تفضيلها عليه إذا أوجب نص ؟".
من هنا، فإني أدعو إلى الاجتهاد في إرجاع بعض الأحكام الفرَضية إلى النص القرآني، والالتصاق به، وفاءً له، والتزاما بوصية الله، وفريضة الله، وحدود الله. خصوصا أن هذا النص يعطي للأم نصيبا أفضل من نصيب الأب، مما يفند دعاوى بعض الناس الذين يزعمون دونية المرأة في الإسلام. وامتهان كرامتها، وتمييز الرجل عليها.
ب – الاجتهاد في الظنيات :
في الإرث ومباحثه قضايا ظنية، يجوز الاجتهاد فيها، إثباتا ونفيا، مثل ما يرد في التعصيب وأحواله، وقد استقر العمل الفقهي في المذهب المالكي، على منع بعض الأقارب من الإرث، مثل الجد أبي الأم، والعمة، والخال وابنه، وأبناء البنت، وغيرهم من ذوي الأرحام. فهل يعد هذا من القطعيات ؟ وإذا لم يكن قطعيا، ألا يجوز إدراج هؤلاء ضمن الورثة ؟ وإذا أدرجناهم، فما هي مرتبتهم ؟ وهل يكون الخال بمنزلة العم أم بعده ؟ وهل المطالبة بتوريث هؤلاء تعد خروجا عن الدين ونكوصا ؟ مع العلم أن بعض المذكورين أو كلهم يرثون في بعض المذاهب الفقهية، وهو ما يحتم علينا في المجتمع المغربي الانفتاح على المجتمعات الحنفية لدراسة طريقة تنزيلهم لهذه الأحكام، ومعرفة مدى مرونتها أو صعوبات تنزيلها.
ويمكن توسيع دائرة الوارثين من هذه الناحية، ويمكن في المقابل إعادة النظر في مسألة الوصية الواجبة، وهي وصية قانونية غير شرعية، فرضها القانون على التركة، ولا علاقة لها بالإرث من قريب أو بعيد، وقد طبقها العمل القضائي المغربي منذ عقود من الزمن، وحري بنا أن نتوقف عندها بالدراسة والتحليل، من أجل معرفة شرعيتها وجدواها، وهل يحق لنا إبقاؤها أو حذفها ؟
إلا أن هذا الاجتهاد يجب أن يسلك سبله الحقة، ومسالكه الطبيعية، ولا يمكن أن يُفرض بأجندات أو باستعراض عضلات هنا وهناك، لأن القضايا العلمية يجب أن نسلك فيها المناهج والمسالك العلمية، ولا نناقشها تحت وقع العرائض والاحتجاجات، والعرائض والاحتجاجات المضادة.
رابعا : العريضة المريضة
صدرت الأسبوع الماضي عريضة موقعة من قبل مائة شخصية "وازنة" تنتمي إلى عالم السياسة والطب والمسرح والشعر الحر، مفادها الرئيس، إلغاء مبدأ التعصيب بالنفس، وتضمنت العريضة بعض العبارات التي أتوقف عندها، وأدعو الباحثين إلى دراستها والاهتمام بها.
أ – جاء في العريضة : "ينتج عن تطبيق نظام الإرث عن طريق التعصيب بالنفس، ظلم كبير لا يتماشى مع مقاصد الإسلام"، وبعد صدور العريضة، كتب خالد الحري افتتاحية في جريدة الصباح، ضمّنها قوله : "إن نداء المثقفين لحظة تاريخية لمجتمع ونخبته، قررا قطع شعرة معاوية، مع التخلف وظلم المرأة". وهكذا نجد الحديث عن الظلم والظلم الكبير ورفع الظلم، وغير ذلك، والسؤال : أين هو الظلم ؟ فالقانون المغربي لم يَحرم البنت من الإرث، ولم يحرمها من نصيبها القرآني، ولو حرمت من هذا لكان ظلما حقا. فعلى أية مرجعية يقف هؤلاء ليصفوا هذا ظلما وذاك عدلا ؟ أم أن المسألة مجرد أحكام انطباعية لا غير ؟
وأرى أن الأليق والأنسب في هذه المسألة، الابتعاد عن عبارة "الظلم"، لأنها حكم قيمة غير منضبط، وما يراه أحدنا ظلما، قد يراه الآخر عدلا. وإذا تم التوافق على إعطاء حق لشخص دون آخر، لا يسمى هذا المَنح ظلما للغير، وأوضَحُ مثال أُورِده في هذا المقام، التوافق الدستوري حول منح حق وراثة العرش للابن الأكبر للملك، ولا يُعطى هذا الحق للبنت ولو كانت كبرى، ولا يعطى للأبناء الذكور الآخرين، وهنا لا نجد تسويةً، ولا نجد ظلما.
وقد يزعم المرء –بحسن نية أحيانا - قصد العدل وإرادته، ويسلك في ذلك مسلك الهوى، وهو ما حذر منه القرآن الكريم بقوله : "فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا"، قال ابن العربي المعافري : "معناه لا تتبعوا أهواءكم في طلب العدل برحمة الفقير، والتحامل على الغني"، وما قام به أصحاب العريضة، هو محاولتهم طلب العدل، برحمة البنت، والتحامل على الأخ أو العم، سواء بسواء.
ومن معاني "العدل" : المساواة. والمساواة لا تكون إلا بين الشيء ومثيله ونظيره، وإذا أردنا أن نحكم بالعدل في الإرث، فلنقارن بين البنت والبنت، وليس بين البنت والعم أو الأخ، لأنهما ليسا نظيرين ولا مثيلين لها.
أما العدل في الأحكام الإلهية الشرعية، فما يُعرف إلا بالله تعالى، وكيفما صرف حكمه فهو العدل. ومن عدله أن أعطى للبنت نصفا، وللعم أو الأخ ما بقي.
والحديث عن الظلم في الإرث، والإشارة إليه، افتتح به المثقفون المائة عريضتهم، فقالوا في مطلعها الذي يفتقر إلى براعة الاستهلال : "يعطي قانون المواريث الحق للرجل في الاستفادة من الإرث كاملا، في حال كان الوريث الوحيد، في حين لا تستفيد المرأة من هذا الحق، إذ ترث فقط نصيبا مقدرا معلوما يسمى فرضا". وهذا ليس ردا على الفقه والفقهاء كما يدعي بعض عرّابي العريضة في شروحهم وحواشيهم التي نشروها بعد العريضة، بل هو رد على القرآن نفسه، ورد على كلام الرب الحكيم العليم.
ودوننا آيات إرث الأولاد، ففيها :
البنت ترث النصف في حال الانفراد.
البنت ترث الثلثين بالاشتراك في حال التعدد.
البنت ترث نصف الابن إذا وُجد.
وسكت النص عن حالة واحدة، وهي وجود الابن دون غيره، فبما أن الآية سكتت عن حالته، فهل نمنعه ؟ أم أن سكوتها بيان لحاله ؟، وهو أخذ جميع الميراث، وهو ما تندد به العريضة في العبارة السابقة. وتستنكر عدم حصول البنت على مثله.
ونفس المنطق القرآني في حالة الابن، نجده في حالة الأخ إذا لم يكن معه إخوة وأخوات. فإنه يأخذ التركة كلها. وبعد ذلك، يدعي الموقعون المائة أنهم لا ينتقدون القرآن وأحكام القرآن، ويكتفون بانتقاد الفقه الذي لا يساير عصرنا فقط.
ولنا سؤال آخر : لماذا اعتبر المائة وأنصار المائة إرثَ الأخ أو العم مع البنت مخالفا لمقاصد الشرع ؟ بأي منطق يتكلمون ؟
إن توسيع قاعدة الإرث، وإعطاء الأخ أو العم نصيبا من التركة، لهُو من صميم مقاصد الإسلام، لأنه يرسخ مبدأ التكافل الأسري، ومبدأ تداول الأموال، "كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم"، ويرسخ مبدأ تمتين العلاقات بين أفراد العائلة، وغيرها من المقاصد السامية، فكيف يقلب هؤلاء المائة هذه المصالح إلى مفاسد ؟ ويتبنون مبدأ الإقصاء ويجعلونه من مقاصد الإسلام ؟.
ب – جاء في العريضة : "ما الذي يبرر أن يظل الأقارب الذكور (الأقربون والأبعدون) يتقاسمون الإرث مع فتيات يتيمات لا يتحملون مسؤوليتهن المادية أو المعنوية في شيء ؟ إذ أن القانون الذي يبيح لهم اقتسام إرث لم يساهموا فيه، لا يجبرهم في المقابل على حماية ورعاية الأسرة المعنية".
وهذه الفقرة الصغيرة تحتاج إلى مقال موسع لبيان تهافتها وضعفها وقلة بضاعة منشئها ومروجها. وأكتفي بآخرها :
أكاد أجزم، أن أصحاب العريضة قرروا ابتداء توجيهَها إلى السذج والجهال والأميين، وإلى الغوغائيين والديماغوجيين، ولو قرروا أن يوجهوها صيحةً للمثقفين والقانونيين والعلماء، لما سقطوا في الدرك الأسفل من الصياغة الفقهية والقانونية.
وفي الفقرة السابقة يستنكرون على الوارث نيل حصة من "ثروة لم يسهم فيها". مما يعني أن سبب الإرث في مخيلتهم هو الإسهام في الثروة، مَن أسهم فيها فله الحق في الإرث، ومن لم يسهم فلا حق له.
وهذه كارثة بكل المقاييس، ولو طبقناها لقلبنا المنظومة الفقهية والقانونية رأسا على عقب، ولصرنا أضحوكة بين أمم الإنس والجن على السواء.
وبناء على رأي العريضة وأصحابها المائة، فإننا نقرر الآتي :
* من مات وترك ابنه جنينا في بطن أمه، فالجنين لا يرث، لأنه لم يسهم في الثروة/التركة.
* من مات وترك أطفالا صغارا، رضعا أو رضيعات، فلن يرثوا، لأنهم لم يسهموا في الثروة/التركة.
* من مات بعد زواجه بأيام قليلات، فزوجته لن ترث، لأنها لم تسهم في ثروته.
وإذا اتبعنا منطق المائة ممن وقعوا العريضة المريضة، فإنه لن يرث في أحسن الأحوال إلا الزوجة التي أمضت مع زوجها سنوات عديدات، لأنها قد تسهم في الثروة، والأب إن أسهم مع ابنه في بناء ثروته، وقد نعطي الأسبقية للإخوة على الأبناء، وأبين ذلك من خلال مثال واقعي :
* شخص عاطل عن العمل، تعاون إخوته وعمه، واقترضوا مالا ليذهب إلى أوربا من أجل العمل، ولما امتلك ثروة، تزوج، وأنجب بنتا، وبعد ذلك بأيام توفي، فمن الذي أسهم في بناء ثروته ؟ بنته أو إخوانه وعمه ؟
إن كلمة "الإسهام في الثروة" لا يمكن أن تصدر عن إنسان يعرف ألفباء الفقه والصياغة القانونية الدقيقة، لأنها عبارة غير منضبطة بأي ضابط، ولا يستطيع قبولها أي رجل قانون يحترم تخصصه، وهنا أبين ألمعية ونجومية الفقهاء مقارنة مع الشخصيات "الوازنة" المائة، فإن الفقهاء قالوا : الإرث يكون بسبب القرابة والزوجية، وهما سببان منضبطان، وقال المائة : يكون الإرث بسبب الإسهام في الثروة، وهو سبب غير منضبط، ولو طبقناه لما أعطينا للبنات نفس النصيب، بدعوى أن إحداهن أسهمت في الثروة أكثر من أختها، وهنا ننتقل إلى بناء الأحكام على الأذواق.
ج – جاء في العريضة المريضة : "فما الذي يسوغ أن يستمر العمل بقانون التعصيب ؟ علما بأن هذا القانون لا يجد أي سند في القرآن الكريم، فضلا عن أنه لا يتناسب مع مقاصد الشريعة الإسلامية في تحقيق العدل بين الناس".
والحديث عن العدل والمقاصد بينا وهاءه ولا عِلميتَه.
وعدم وجود أي سند في القرآن للتعصيب غير سديد. بل هو مذكور في القرآن، ففي حالة الابن المنفرد دون البنت، سكت عنه القرآن، ولم يبين فرضه، وهذه إشارة إلى أخذ نصيبه تعصيبا.
تنبيه :
علّق العلامة الدكتور مصطفى بنحمزة على العريضة، ووصف الموقعين عليها بأنهم يشهدون على أنفسهم أنهم لا يعرفون شيئا من الشريعة. وهو مُحِق في ذلك، ومن كانت له معرفة بالشريعة لا يمكن أن يتحدث عن ربط الإرث بالإسهام في الثروة.
وعلق أستاذنا العلامة أحمد الريسوني على العريضة، وبيّن أن الشعب كله يقف في صف الشريعة باستثناء بعض الخوارج الجدد، وهو وصف دقيق، لأن من يريد الخروج عن القواعد المنضبطة، هو من الخوارج الجدد، الذين يريدوننا أن ندخل في متاهات أحكام وعلل غير منضبطة.
خامسا : ما بعد المريضة
بعد صدور العريضة المريضة، تولى بعض الموقعين عليها التوسع في الشرح والتوضيح، من خلال مقالات وحوارات، وهذه وحدها غريبة، حيث صار أصحاب المتن هم الشُّراح والمُحَشُّون، ومن ذلك، الحوار القصير والضعيف لوزير الصحة السابق الدكتور الحسين الوردي.
قال في حوار مع جريدة أخبار اليوم : "موضوع التعصيب في الإرث، فيه حيف وظلم كبير ضد النساء، ويجعلهن أكثر عرضة للهشاشة والفقر".
وختم استجوابه بقوله : "شخصيا، لا أقبل أن يهاجمني أحد ويتهمني بالجهل".
سنخضع للسيد الوزير السابق، ولن نصفه بالجهل، ولكن، ليسمح لنا بفهم كلامه، وإلزامه بلازمه.
ربط الوزير السابق بين التعصيب والهشاشة والفقر ربْط السبب بالنتيجة، ولمحاربة النتيجة، طالب بإلغاء السبب.
وأنا أشكره على هذا الاجتهاد، وبناء عليه، فإن الشعب المغربي يعاني من الهشاشة والفقر، بإجماع المؤسسات والهيآت المحلية والدولية، والسبب في هذه الهشاشة هو مؤسسات البلد من برلمان وحكومات متعاقبات وغيرها، فهل نطالب بإلغاء هذه المؤسسات لأنها أسهمت ورسخت الهشاشة والفقر في المجتمع، كما رسخ التعصيب الهشاشة والفقر عند المرأة ؟.
يعرف المغاربة أن حزب الوزير (التقدم والاشتراكية) أسهم في خمس حكومات متعاقبة، وكان المغرب وما زال يعاني من الفقر والهشاشة، وكان حزب الوزير مسهما رئيسا في ترسيخهما، فهل نطالب بحل حزبه ونظرائه وإلغائه من الساحة السياسية ؟
ويعرف المغاربة أجمع، أن قطاع الصحة أشرف عليه السيد الحسين الوردي طيلة سنوات، وخرج منه وهو في كامل هشاشته، فهل يعدُّ هذا سببا لإلغاء الحسين الوردي وحذفه من الحياة السياسية والإعلامية نهائيا ؟
إن الموقعين على العريضة لا يتقنون الصياغة الفقهية القانونية المقبولة، كما بينت من خلال الأمثلة السابقة، وزاد الوردي الطين بلة بهذه التعليل الهش الفقير علميا، ومع ذلك، فإنه لا يسمح لأحد أن يتهمه بالجهل.
وفي الختام، لا يسعني إلا أن أشكر المائة، كلاًّ باسمه ونعته، لأنهم خلقوا زوبعة في المجتمع، وكأنهم من نوع مثقفي الإثارة، وأشكرهم على أن أشعروني بضعفهم الفقهي والقانوني، حتى أكون على بينة من أمرهم، ولن أقبل منهم "اجتهادا" في المستقبل.
كما أوجه نداء إلى العلماء، ليتحملوا مسؤوليتهم في حمل لواء البحث والمعرفة، وأن ينبذوا الكسل والخمول، وأن يتحركوا دون انتظار إشارة من أحد، والله من وراء القصد، وهو يهدي السبيل.







خاتمة :
هذا البحث يهدف بالخصوص محاولة فهم أسباب وتداعيات الجدال الدائر في المجتمع المغربي حول موضوع تعديل بعض بنود قانون الإرث الإسلامي (خصوصاً مبدأ التعصيب). مع استحضار التأثيرات السياسية والأيدلوجية في مسار هذا النقاش.
لذا، يُطرح السؤال التالي:
لماذا يحظى موضوع الإرث بكل هذه الحساسية المجتمعية في الخلاف، بينما هناك أمور كثيرة في الدين "الحدود / الربا..." غير مفعَّلة ولا تحظى بكل هذا التجاذب الشديد؟
لسائل أن يسأل: ما هي علاقة التأثيرات الأيديولوجية بنقاش مجتمعي متصل باختلاف في الموقف الديني يترتب عليه نظام قانوني جديد.
في البداية، وقبل البسط. لا بد من التأكيد أن نقاش الإرث ليس نتاج اليوم. بل هو مادة جدال أيديولوجي قائم مند عقود بين التيار "الإسلامي" والتيار "الحداثي" إن جاز التعبير ... ومحور هذا الصراع موقع المرأة في المجتمع المعاصر وعلاقة ذلك بتحولات مجتمع ممانع  للحداثة وقيم المساواة التي تؤطرها الاتفاقيات الدولية كاتفاقية "السيداو" اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة .
         فالحداثيون يرون ان نظام الإرث في القانون المغربي الذي يستمد مصادره من الشريعة الإسلامية مجحفا للمرأة مرسخا لمظاهر التمييز ضدهان وينتقص من مطلب مساواتها بالرجل.
وبالمقابل يرى المحافظون المتدينون أن مس نظام الإرث بالتغيير والتعديل خط أحمر لا يقبل المساوتة لاأن النصوص الشرعية المنظمة له قطعية لا تقبل التأويل ولا تتحمل أكثر من معنى، فإما أن يؤخذ شرع الله كما أراد الله أو أن يترك,, وهذا ما لا يقبل أبدا

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire