عقوق الأولاد
يعتقد الكثير من
الناس أن العقوق إذا ذُكر فإنما يُراد به سوء المعاملة الصادر من الأولاد تجاه
آبائهم، وهو صحيح، فقد غلَّظ الله تعالى العقوبة يوم القيامة للذين يَعُقُّون
آباءهم، بل توعدهم بالعقاب في الدنيا قبل الآخرة. لكن الحقيقة أن العقوق لا يقتصر
على سوء معاملة للأبناء للآباء وإنما
يتعلق كذلك بسوء المعاملة من الآباء تجاه الأولاد، حسب درجات هذا السوء.. من ضياع
لبعض حقوقهم، أو ضياع كل هذه الحقوق بنبذهم، والتخلي عليهم بالمرة..
لا يختلف اثنان حول كون الله سبحانه وتعالى أوصى
الأولاد بوالديهم، وشدد على ذلك في القرآن الكريم، ومن ذلك قول الله تعالى: ( وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا إما يبلغن عندك الكبر
أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما...) سورة الإسراء الآية: 23
وقوله: ( واعبدوا
الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا...) سورة النساء الآية: 36
وقوله: ( ووصينا
الإنسان بولديه حسنا حملته امه وهنا على وهن وفصاله في عامين أن اشكر لي ولوالديك
إلي المصير...) سورة لقمان الآية: 14
وقوله: ( ووصينا
الإنسان بوالديه حسنا وإن جاهداك لتشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما إلي مرجعكم
فأنبئكم بما كنتم تعملون...) سورة العنكبوت الآية: 8
وقوله: ( ووصينا
الإنسان بوالديه حسنا حملته أمه كرها ووضعته كرها وحمله وفصاله ثلاثون شهرا حتى
إذا بلغ أشده وبلغ أربعين سنة قال رب
أوزعني أن اشكر نعمتك التي أنعمت وعلى والدي وأن أعمل صالحا ترضاه وأصلح لي في
ذريتي إني تبت إليك وإني من المسلمين...) سورة الأحقاف الآية: 15
هكذا يقرن الله تعالى في أغلب الآيات
القرآنية بين عبادته وحده والإحسان إلى الوالدين، فيعظم سبحانه عقوق الوالدين
كإساءة لا توازيها إساءة أخرى.. لأن هذا الذي تنكر للمعروف الكبير الذي أسداه
الوالدين له، فلا يرجى منه إي اعتراف لغيرهم، وهو شر مستطير للمجتمع...
وقد عظم النبي صلى الله عليه وسلم جرم
العقوق في حق الوالدين ، وجعله كبيرة من الكبائر التي تخلد صاحبها في جهنم فقال
صلى الله علبه وسلم لما سئل عن أكبر الكبائر قال: " ألا أدلكم على أكبر
الكبائر. الشرك بالله، وعقوق الوالدين، ألا وشهادة الزور، الا وشهادة الزور، ألا
وشهادة الزور ".
وقال عليه السلام
عندما سأله أحد الصحابة عن أن أحق الناس بحسن صحابته. قال: "أمك" قال:
ثم من. قال: "أمك" قال: ثم من. قال: أمك. قال ثم من. قال: أبوك ".
وتعظيما لحق الأم
يقول صلى الله عليه وسلم: "الجنة تحت أقدام الأمهات".
وكما أن الله
تعالى نهى عن عقوق الأولاد لوالديهم، والتنكر لكل ما قدموه في سبيل تربيتهم
والاعتناء بهم، فقذ حذر من تضييع حقوق الأولاد، وإهمال تربيتهم وتعليمهم ما به
يتجنبون عذاب الله وغضبه. قال تعالى: ( يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم
نارا وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم
ويفعلون ما يؤمرون...) سورة التحريم الآية: 6
فإلى جانب رعاية
الأولاد وحفظ حقوقهم في الدنيا من أكل وشرب، وكساء ودواء، وتعليم، وحرص على
سلامتهم من الأخطار، والعمل على تنمية شخصياتهم بما يضمن لهم التأهيل الاجتماعي
والنفسي، لا بد من مراعاة تجنيبهم غضب الله، وعقابه. وذلك بتنشئتهم على طاعة الله
وحبه، وأمرهم بالصلاة لسبع، وضربهم عليها لعشر، والتفريق بينهم في المضاجع،
ومصاحبتهم إلى المساجد في الجمعات والجماعات، وتعليمهم الصدق والوفاء، وتشويقهم
إلى الجنة، وتخويفهم من النار..
وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من عدم
الإهتمام بالولد - ذكرا كان أو أنثى- ورعايته لأنه أمانة الله تعالى أودعها عند
الآباء، وهو سائلهم عليها، أحفظوها أم ضيعوها..
قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم: " بحسب امرئ من الإثم أن يضيع من يعول " أي
يكفيه من الإثم كي يدخل جهنم أن يضيع ولده، لأن المقصود بمن يعول هم العيال أو
الأولاد.
وإن ضياعهم في ما
يحفظ عليهم آخرتهم لهو أكبر بكثير من ضياعهم في ما يحفظ عليهم دنياهم.. وكل ذلك عاقبته النار..
وقال عليه السلام تحبيبا في تربية
الأولاد: " لأن يؤدب الرجل ولده خير من أن يتصدق كل يوم بصاع"
وسئل صلى عليه وسلم عن درهم يتصدق به ودرهم
ينفق على العيال، أيهما أفضل. قال عليه السلام: "درهم ينفق على
العيال" تأكيدا على أهمية الاعتناء بالأولاد.
وقد روي أن رجلا شيخا جاء إلى أمير
المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه يشكوه عقوق ولده، فقال يا أمير المؤمنين إن
ابني يعقني، يضربني ويشتمني. ولا يحفظ لي حرمة.
قال أمير المؤمنين
عمر غاضبا: " أو لا يعلم هذا العاق أن العقوق يخلد صاحبه في النار. اذهب
واتني به.
قال يا أمير
المؤمنين إنه يضربني، ويشتمني، فكيف آتيك به.
قال: اذهب فأخبره
أن أمير المؤمنين يطلبه.
ذهب الرجل إلى حيث
الولد، وأخبره أن عمر يطلبه. فقفز الولد مسرعا ليجيب أمير المؤمنين، ولحق به أبوه،
وعند الخليفة عمر.
توجه عمر إلى
الولد غاضبا وقال: "أيها العاق.. ألا تخشى من الخلود في جهنم.. لم تعق
أباك.
قال الولد: يا
أمير المؤمنين ألم يقل النبي صلى الله عليه وسلم أن للولد على أبيه حقوق..
قال:
"نعم"
قال: ما هي يا
أمير المؤمنين.
أعاد عمر كلام
النبي صلى الله عليه وسلم:" أن يختار أمه، وأن يختار إسمه، وأن يعلمه
القرآن.
قال الولد: يا
أمير المؤمنين، هذا الرجل- ولم يقل أبي- لم يختر أمي، تزوجها من البغايا، ولم
يختر إسمي، سماني جعل، يعيرني به أقراني، ولم يعلمني آية من القرآن..
التفت عمر رضي
الله عنه إلى الرجل الشيخ وقال متمعضا: قم عني.. فلقد عققته قبل أن يعقك..
لا شك أن هذا الولد هو عاق لأبيه، ولا
يبرر تقصير الأب في حقه أن يكون هو على هذه الشاكلة، فهو مخطئ خطأ كبيرا يخلد صاحبه
في جهنم، وكذلك الحال بالنسبة لأبيه الذي لم يقم بدوره الذي أناطه الله تعالى به..
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire