إلا الشرك
قد
حذر الله تعالى من الشرك كثيرا، وذكر في أكثر من سورة في القرآن الكريم أنه ذنب لا
يغتفر، بينما هو يغفر ما دونه لمن يشاء، حتى السمة الغالبة لدين الإسلام هي
التوحيد، حتى كان يحلو لكثير من العلماء تسميته بدين التوحيد.
وتوحيد
الله تعالى يتطلب توحيده في ذاته، وتوحيده في صفاته، وتوحيده في أفعاله، فهو واحد
في ذاته، ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، فهو سبحانه وحده الخالق، وما دونه
مخلوق، ولا يمكن عقلا أن يكون المخلوق كالخالق في ذاته، فلا يجوز في عقيدة
المسلمين تجسيم الله سبحانه، ولا حتى السؤال عن ذلك، فقد سأل أحد طلاب الإمام مالك
بن أنس عن معنى قوله تعالى: " الرحمان على العرش استوى..." كيف استوى؟
فقال الإمام مالك: " الاستواء معلوم،
والكيف مجهول، والسؤال عنه بدعة، وقم عني.. فإنك امرء سوء"
ولا
أحد يتصف بصفات الله تعالى، فهو واحد في صفاته، منفرد بها، رغم ما يمكن أن يكون من
تشابه في أسماء بعضها، كصفة العلم، والرحمة والقوة، والحكم وغيرها، إلا أنه شتان
بين صفات الله تعالى وصفات المخلوقين، فإن علم الله شامل لكل شيء، محيط بكل غيب...
قال تعالى: " يعلم ما في السماوات وما في الأرض، ويعلم ما تسرون وما تعلنون
والله عليم بذات الصدور..."
بينما علم المخلوقين محدود وقاصر لا يحيط
بشيء من علمه إلا بما شاء الله سبحانه، وفوق كل ذي علم عليم..
ورحمته سبحانه وسعت كل شيء، ورحمته سبقت
عذابه، بل إنه سبحانه أرحم بعباده من رحمة الأم بولدها، فقد روي أن النبي صلى الله
عليه وسلم كان يقف مع صاحبيه أبو بكر وعمر في استقبال وفد من الناس جاء بهم القحط
والمجاعة إلى المدينة المنورة فرأى أما افتقدت صغيرها بين الناس، فأخذت تبحث عنه
بلهفة.. فلما وجدته.. ضمّته إلى صدرها بقوة وألقمته ثديها ترضعه.. فقال النبي صلى
الله عليه وسلم: " أترون هذه الأم تلقي بوليدها في النار وهي قادرة على أن لا
تفعل؟ قالوا كيف يا رسول الله.. قال: فالله أرحم بكم من هذه الأم بولدها.
وقد قال أيضا: الله تعالى أرحم بكم من
أنفسكم."
وأما
رحمة العباد بعضهم ببعض، فإنما هي قليل مقابل كثير، ومحدود مقبل غير محدود ...
وأما
صفة القوة، فإنها إذا أضيفت إلى المخلوق فإنها وإن بدت كبيرة، وظهرت رهيبة فإنها
لا تقارن بقوة الله تعالى الذي يمسك السماوات أن تزولا.. والذي رفع السماء بغير
عمد ترونها، وجعل في الأرض رواسي وأنهارا وسبلا.. وهو الذي ينزل من السماء ماء
ينبث به الزرع والزيتون والنخيل والأعناب ومن كل الثمرات.. وسخّر الليل والنهار
والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره.. وهو الذي سخر البحر لتأكلوا منه لحما طريا
وتستخرجوا منه حلية تلبسونها وأجرى فيه الفلك بما ينفع الناس.. وهو الذي يريكم
البرق خوفا وطمعا وينشئ السحاب الثقال ويرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء..
فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
ولا
أحد يفعل فعل الله تعالى، فهو واحد في أفعاله، لا مخلوق يفعل ما يختصّ الله تعالى
بفعله كفعل الخلق، والرزق، والإحياء والإماتة، وتقليب الليل والنهار، والإتيان
بالشمس من المشرق، وإنزال الغيث، وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء
والأرض...
هذه الأفعال وغيرها كثير، لا مخلوق يستطيع
فعلها، فهي من اختصاص الله تعالى، فلا أحد يخلق كخلق الله تعالى، " الله خالق
كل شيء... أفمن يخلق كمن لا يخلق... إن الذين يدعون من دونه لا يخلقون شيئا وهم
يُخلقون أموات غير أحياء وما يشعرون أيان يُبعثون..."
" أم خُلقوا من غير شيء أم هم
الخالقون أم خَلقوا السماوات والأرض بل لا يُوقنون..."
ولا
أحد يرزق الناس كما يفعل الله تعالى، إذ يرزق سبحانه كل المخلوقات بقدر، حسب حكمته
ورحمته وعلمه.. قال تعالى: " وما خلقت الجنّ والإنس إلا ليعبدون ما أريد منهم
من رزق وما أريد أن يُطعمون إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين..."
وهو يعلم سبحانه ما تكسب كل نفس في غدها،
ولا أحد يعلم غيره سبحانه ماذا تكسب هذه النفس حتى في يومها، قال تعالى: "
... وما تذري نفس ماذا تكسب غدا ..."
فالله سبحانه يرزق من يشاء بغير حساب، فهو
الصمد الذي تُقضى الحاجات على يده، وهو الواحد المنفرد بهذا الفعل.
ولا
أحد يدعي حتى أنه يميت ويحيي، فالله سبحانه هو المميت المحيي، وقد يدعي المتجبرون
أنهم قادرون على ذلك، فقد حصل أن قال إبراهيم لأحد الطغاة : " وإذ قال
إبراهيم إن الله يحيي ويميت قال أنا أحيي وأميت فقال إبراهيم إن الله يأتي بالشمس
من المشرق فأتي بها من المغرب فبهت الذي كفر..."
والمعنى أن هذا الطاغية إنما ادعى الإحياء
والإماتة كذبا، وإنما كان إفحامه من إبراهيم عليه السلام بالإتيان بالشمس من
المشرق لأن أمرها جلي لا يختلف فيه اثنان، أما الإحياء والإماتة هي كذلك من اختصاص
الله تعالى، ولا مخلوق يستطيعهما، حتى ولو ادعى ذلك، فقد يتستر بطغيانه وإبادته
للأرواح، فيتوهّم أنه يستطيع أن يميت، وحقيقة لا يستطيع أن يفعل إلا بمشيئة الله،
ولو شاء سبحانه لما استطاع أن يميت أحدا ولو جمع لذلك كل قوة الدنيا وذلك ما
أخبرنا به النبي صلى الله عليه وسلم أن فتى كان قد أرسله أهله إلى التعلم عند ساحر
عرف بمهارته في ذلك وفي الطريق إلى الساحر كان يتوقف عند عالم، فيعجبه كلامه لكنه
كان يغادر بسرعة خوفا من أهله.. ولما شكى أمره إلى العالم قال له اجلس ما يحلو لك وإذا
تأخرت على الساحر قل له تأخرت عند أهلي.. وإذا تأخرت على أهلك فقل لهم تأخرت عند
الساحر فأصبح يجالس العالم حتى تعلم منه العلم الحقيقي، وعندها قال له العالم إذا
ظهروا عليك فلا تبلغ بي.
وحدث
أن ظهرت دابة في طريق الناس فسدت طريقهم.. فحاولوا أن يقتلوها فلم يستطيعوا..
وبقيت تقطع طريقهم حتى وصل الأمر إلى الصبي فحاول أن يقتلها، وينجي الناس من
شرها.. فقال بسم الله.. وصوب إليها فقتلها.. فوصل الخبر إلى الملك.. فأرسل في
طلبه.. وسأله عن سر ذلك، فأجاب الصبي دون أن يخفي شيئا.. فذهبوا إلى من علمه،
فعذبوه وقتلوه، وأرادوا قتل الصبي ، فربطوه إلى جدع شجرة، وأخذوا يصوبون عليه ..
والصبي يدعو ربه بقوله اللهم اكفنيهم بما شئت وكيف شئت.. فلم يستطيعوا إصابته.
فأمرهم سيدهم أن يأخذوه إلى البحر حتى إذا وصلوا إلى وسطه ألقوه في البحر.. فلما
ذهبوا به حتى لما اقتربوا من إلقائه في الماء قال: اللهم اكفنيهم بما شئت وكيف شئت
انقلب مركبهم فماتوا جميعا إلا هو..
ثم رجع إلى حيث الملك .. فاستغرب هذا
الأخير.. فامر جنودا أن يصعدوا به الجبل حتى إذا وصلوا قمته ألقوه من هناك، فذهبوا
به حتى أنهم لما وصلوا إلى القمة قال: اللهم اكفنيهم بما شئت وكيف شئت.. تحرك
الجبل واهتز فتساقطوا جميعهم إلا هو..
ثم حمل نفسه إلى الملك.. فاستغرب الملك من
أمره، واحتار في السبيل إلى قتله.. فقال الغلام: لن تستطيع قتلي إلا أن تأخذ سهما
من كنانتي، وتقول باسم ربّ الغلام.. ثم تطلق. ففعل الملك، وأصاب العلام فقتله،
وكان الناس قد اجتمعوا لحضور ذلك فلما رأوا أن الملك عجز عن قتل الغلام إلا بأن
فَعَلَ ما أوصاه به، وبذكر اسم ربّ الغلام.. دخل الجميع في دين الغلام.. الشيء
الذي كان الملك يريد طمسه بقتل العالم، وقتل الغلام.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire