dimanche 23 janvier 2022

إلا ترك الصلاة. د أحمد بوشلطة

 

إلا ترك الصلاة

الصلاة صلة واتصال بين العبد وربه، يستشيره، ويستعينه، ويستهديه، ويطلب منه العون عند العجز،والرزق عند الافتقار، والأمن عند الخوف، ويشكره على النعم، ويستعيذ به عند النقم، ويستنزل به الرحمات، ويستمطر به البركات، ويعبر عن خشيته له، وإعجابه به،وولائه له، ويبث شكواه إليه، وينشر أسراره وخباياه عليه وحده، ويطلب منه الحاجات، فهو الصمد، ويستخيره في اختيارات الحياة، فهو العليم الخبير، والناصح المؤتمن، فإليه يرد الأمر كله، وإليه يرجع الخلق كله، وإليه المصير..

وحاجة الإنسان إلى كل ما سبق دائمة، وعوزه متنوع ومتردد عليه في كل وقت وحين، لذلك جعل سبحانه الصلاة على المؤمنين خمس مرات في اليوم والليل، متقارب وقتها غير متباعد لأنه سبحانه أعلم بعباده منهم. قال تعالى: ( إن الصلاة كانت على المومنين كتابا موقوتا...)

والصلاة تمنع المصلي من الفواحش والمنكرات، وتذكره بربه كل ذلك العدد من المرات في اليوم، فهي ناقوس يرن بقوة في قلب وضمير كل مسلم محافظ عليها. قال تعالى: ( إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر...)

ولا يتأتى ذلك إلا لمن حافظ عليها في وقتها، وداوم عليها، خشع فيها، فكلما جنحت سفينة المؤمن عن الجادة، وتحول من الطاعات إلى المعاصي، وانشغل قلبه بما لا يرضي الله تعالى كانت الصلاة – التي في وقتها والمداوم عليها والمؤداة بالخشوع -   مانعة لصاحبها من الاطمئنان والرضى، والهناء والسعادة، تنغص عليه عيشه، وتؤنبه  في ضميره، وتذكره بمصيره، ولا تنتهي من ذلك عليه حتى يراجع نفسه، وينتهي عما كان عليه من المعصية، ولذلك نوه سبحانه وتعالى بالذين هم على صلاتهم خاشعون، عليها مداومون، وربط ذلك بالفلاح والنجاح يوم القيامة. قال تعالى: ( قد افلح المؤمنون (1) الذين هم  في صلاتهم خاشعون (2) والذين هم عن اللغو معرضون (3) والذين هم للزكاة فاعلون (4) والذين هم لفروجهم حافظون (5) إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين (6) فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون (7) والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون (8) والذين هم على صلاتهم يحافظون (9) أولئك هم الوارثون الذين يرثون الفردوس (10) هم فيها خالدون (11) ) سورة المومنون الأيات: 1-11

مات النبي صلى الله عليه وسلم وهو يوصي بالصلاة " الصلاة الصلاة وما ملكت أيمانكم" ولا معنى لوصيته عليه السلام في آخر أنفاسه إلا ما معناه أن الصلاة هي حبل النجاة من النار، ولذلك يصر عليه السلام لأن تكون وصيته لأمته في آخر حياته هي: إياكم وترك الصلاة.. إياكم وترك الصلاة..

        وحتى لا يصعب على الشباب إقامة الصلاة، وجعلها ضمن برنامج حياتهم، أوصى النبي عليه السلام الأولياء أن يأمروا أولادهم بالصلاة لسبع، وأن يضربوهم على تركها لعشر، وأن يفرقوا بينهم في المضاجع..

        وعجبا لمن يستطعم حياته، ويسرح ويمرح طالبا شهواته، ملبيا نزواته، آمنا مكر الله تعالى الذي إنما أوجده في هذا الكون ليكون عابدا مطيعا، يتبع أوامر موجده، ويجتنب نواهيه ما أمكنه إلى ذلك سبيلا.

        إنه لا يجوز لشاب ولا شابة بلغا الحلم، يعيشان في المجتمع المسلم، يسمعان الأذان، ويعيشان أجواء رمضان أن يكونا تاركين للصلاة... لأن النبي صلى الله عليه وسلم حذر من ذلك فقال عليه السلام:"العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر"

وقال صلى الله عليه وسلم:" بين المرء وبين الكفر أو الشرك ترك الصلاة"

وقال أيضا: " أول ما يحاسب عليه المرء يوم القيامة الصلاة، فإن صلحت صلح سائر عمله، وإن فسدت فسد سائر عمله..."

وقال عليه السلام: " الصلاة عماد الدين، من أقامها أقام الدين، ومن تركها ترك الدين.."

        وإقام الصلاة من سمات المؤمنين وتركها من صفات المنافقين، فعن المؤمنين يقول سبحانه: (والمومنون والمومنات بعضهم أولياء بعض يامرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويوتون الزكاة...)

وعن المنافقين يقول تعالى: ( وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراؤون الناس...)

        وقد يتعلل البعض بأن ضيق الوقت يجعله تاركا للصلاة، بحكم التوقيت المدرسي، أو التوقيت في الشغل، أو المرأة في أشغال البيت، فإن الأمر لا يحتمل أن يتعلل الشخص هروبا من المسؤولية والمتابعة أمام الله حيث لا يغني عذر ولا علة إلا من أتى الله بقلب سليم.

ثم إن شبابنا قد تأثر بما تعيشه المجتمعات الغربية، من ترك للعبادة، وجري وراء الشهوات والملذات، واعتبار التدين شيئا غريبا عن الحياة العادية، وأن العادي والطبيعي في الحياة أن يعيش الإنسان كالبهيمة، يلهث وراء أكله وشربه وشهواته، فأصبح يستغرب كل مظاهر التدين فطوبى للغرباء...

        ويجيب الكثير من الشباب عند سؤالهم عن الصلاة، بأنه يصلي ثم ينقطع عن أدائها، والأمر في نظري راجع إلى أمور متعددة منها:

- أنه لم يتربى على إقامة الصلاة من صغره كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم، فالتدين عموما والصلاة على وجه الخصوص غريبة بالنسبة إليه، فتجده يغالب نفسه للإبقاء على ممارستها وتطبيقها ثأثرا بغيره من أقرانه، أو انفعالا من جراء استماعه لموعضة، أو مشاهدته لفلم مثلا. فالتربية أمر مهم جدا بالنسبة لأولادنا.

- أداء الصلاة تقليدا، للآباء والأقربين دون استحضار لروحها، ومعرفة بأصلها وحقيقتها، فإن المرء إذا ما أتعب نفسه على شيء لا يعرف حقيقته، ملْ منه، وتعب من ممارسته، وكذلك يحصل لمن يصلي بعض الأوقات ثم ينقطع عن أدائا... وأما حال الذين يسعدون بالصلاة، ويتشوقون لإقامتها، فإنهم يعرفون حقيقتها، فهي بالنسبة لهم وقوف بين يدي الله تعالى ملك الملوك، وقيوم السماوات والأرض.. الذي يقول للشيء كن فيكون، الكبير المتعالي.. الذي ليس هناك أكبر منه، والعليم الخبير الذي ليس هناك أعلم منه.. والرحمان الرحيم الذي ليس هناك من هو أرحم منه...

بكل هذه المشاعر والأحاسيس، يقف المؤمن خاشعا بين يديه سبحانه معتزا ومفتخرا، وراهبا وراغبا إليه، خائفا وطامعا يتمنى لو يطيل الإمام السجود كي يتمكن من استكمال مناجاة ربه، وبث همه وغمه، وسؤاله وطلبه لحاجاته... ولذلك يخشع في صلاته، ولا ينشغل خلالها بشيء، فالموقف أكبر من أن يلتفت إلى شيء آخر غير الانضباط في الحركات، وتحديد النظرات، وإطالة السجود، واستحضار الموقف الرهيب بين يدي ملك الملوك..

هذا لعمري سبب أكثر من وجيه يجعل المؤمن مداوما على صلاته، محافظا عليها في أوقاتها، خاشعا متصدعا من خشية الله.

 

                                                              د.أحمد بوشلطة

 

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire